للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم]

أما حكم من طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم اليوم، فيتفق علماء السلف: بأن الشفاعة لا تكون بالشخص على سبيل الإقسام به على الله، فلا يقسم على الله بأحد، ولا بالتوسل بشخصية إنسان، فأنت لا تملك تلك الشخصية، ولكن بإيمانك وبمحبتك وباتباعك لهذا الشخص وهو النبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن الله وبما جاء به رسول الله، وبقدر إيمانك ومحبتك لرسول الله واتباعك له تكون شافعاً في غيرك.

والنصوص في ذلك: أن الله سبحانه جعل الشفاعة كرامة للشافع والمشفوع فيه؛ لأن الشفاعة حقٌ لله، ولا يظن إنسان أنها كشفاعة أهل الدنيا، حاشا وكلا؛ لأن الله يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥] ، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:٢٦] .

إذاً: الشفاعة يوم القيامة تكون أولاً كرامة للشافع كما أكرم الله سيد الخلق بالشفاعة العظمى، والمقام المحمود، وكذلك الصالحون من العباد يكرمهم الله، وجاء في الحديث: (إن العالم ليشفع في أربعين بيتاً من جيرانه) .

فالشفاعة كرامة من الله للشافع، وإكراماً من الله للمشفوع فيه، وهل يشفع إنسان في إنسان أدخله الله النار بغير إذن من الله؟ لا يمكن هذا.

نحن في الدنيا من أجل طلب الشفاعة يجب أن نكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسألها من الله، فنقول: اللهم إنا نسألك بإيماننا بك، ومحبتنا لرسولك واتباعنا لما جاءنا به، أن تشفعه فينا يا رب العالمين، نسأل الله تعالى أن يشفعه فينا وأن يجعلنا من أهل شفاعته، وأن يوردنا حوضه، وأن يسقينا بيده الشريفة شربةً هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.

وبعد: فإن هذا الذي أوردناه هو مجمل ما يلزم على المؤمن أن يؤمن به تبعاً لإيمانه باليوم الآخر، وإن في اليوم الآخر أحداثاً ووقائع وأموراً يجب على المؤمن أن يؤمن بها قبلها عقله أو لم يقبلها؛ لأن وراء الموت عالم غيب، ولهذا كان الإيمان بالغيب منطلق الالتزام بالتكاليف فعلاً وتركاً كما أشرنا إلى ذلك، ودللنا عليه بقول الله: {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:١-٣] .

ومن أهم الإيمان بالغيب: الإيمان باليوم الآخر، {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:٣-٤] .