للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حق المسلم على المسلم]

حديث البراء فيه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع) ، فالأمر فيه هل هو أمر وجوب أو أمر إرشاد أو أمر استحباب؟ الصحيح أنه أمر استحباب، يعني: أمرنا أن نفعل هذه الأشياء وأكد في أمرها وإن لم يصل إلى الوجوب؛ وذلك لأن هذه السبع هي من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فمثلاً: إجابة الداعي؛ إذا دعاك أخوك إلى طعام كوليمة أو نحو ذلك فحق عليك أن تجيبه، ولكن لا يكون ذلك واجباً، فقد يكون لك عذر، وقد تكون مسبوقاً بدعوة أخرى أو نحو ذلك، فهذا دليل على أن الإجابة ليست فرضاً واجباً، ولكنها من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.

كذلك الأمر بتشميت العاطس لا شك أنه من حقوق المسلمين، وإن لم يجب على كل أحد، إنما الحاضرون إذا سمعوه يعطس ويحمد الله تعالى يشمتونه بقولهم: يرحمك الله، وهذا أيضاً من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.

كذلك الأمر ببدء السلام أو برد السلام هو من حقوق المسلمين لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:٨٦] ، فإن هذا من الحقوق المتبادلة بين المسلمين، والتي تسبب المحبة والمودة بينهم، لقوله عليه السلام: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم) .

كذلك عيادة المريض هي من حقوق المسلمين؛ وذلك لأن المريض قد حبسه المرض عن إخوته وأصدقائه، وأقعده، وجلس في بيته أو على فراشه، فكان حقاً عليهم أن يعودوه ليطمئنوه وليسلوه وليحثوه على الصبر، وليعرف بذلك المحبة والمودة في قلوبهم، ويعرف من هو صادق المحبة من غيرها، فعند ذلك تثبت الأخوة بين المسلمين، وكذلك أهله وأصدقاؤه وأولاده إذا رأوا إخوته وأصدقاءه يعودونه عرفوا بذلك محبتهم ومودتهم.

كذلك اتباع الجنائز من حقوق المسلمين؛ وذلك لأن هذا الميت الذي كان أخاً لك وصديقاً أتاه أجله ووافاه الموت، ونقل إلى القبر، فكان من حقه عليك أن تشيعه، وأن تتبع جنازته، وأن تحضر الصلاة عليه، وتحضر دفنه، وتدعو له، وتسلم على أقاربه، وتسليهم، وهذا أيضاً من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.

كذلك نصر المظلوم من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، إذا رأيت مظلوماً عرفت أنه معتدى عليه، فمن حقه عليك أن تنصره بقدر ما تستطيع، لقوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ، فالمظلوم تنصره وترد عنه الظلم، والظالم تردعه عن الظلم وتحجزه عنه، وذلك نصرك إياه.

فهذه الحقوق لا شك أنها مما يدعو إليه الإسلام ويرغب فيه، ولا شك أنه ما أمر بذلك إلا لما فيه من المصلحة، وما فيه مما يسبب الألفة بين المسلمين.