للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هم النبي عليه الصلاة والسلام تحريق بيوت من يصلون في بيوتهم]

في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد المتخلفين عن صلاة الصبح أو غيرها بأن يحرقهم بالنار؛ لقوله في هذا الحديث: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة -وفي رواية أبي داود: يصلون في بيوتهم- فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) أليس الإحراق تعذيباً؟ أليس الإحراق قتلاً؟ لا شك أنه سيقتلهم بذلك.

ما السبب أن يذهب إليهم بهذه الحزم من الحطب ويحرق عليهم بيوتهم؟ ليس لهم ذنب إلا أنهم يصلون في بيوتهم، فلأنهم لا يصلون الجماعة؛ فهم مستحقون لهذا، وفي بعض الروايات أنه ذكر المانع فقال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأحرقتها عليهم) ، فاعتذر عن الفعل أن في البيوت من لا تجب عليهم الجماعة، ففي البيوت أطفال لم يكلفوا، وفي البيوت نساء ليس عليهن صلاة جماعة، فإحراقهم قد يكون إحراقاً لمن لا يستحق الإحراق، أو إحراقاً للمتاع والمال الذي لا ذنب له، فمنعه ذلك.

ولم يقتلهم ولم يقاتلهم لأجل أنهم لم يعملوا عملاً ظاهراً أو لكون عملهم قد يكون خفياً، فهم أن يحرق عليهم بيوتهم وقت الصلاة، وهو الوقت الذي يشتغل فيه المصلون، فإذا قالوا: ما هو السبب؟ قال: لأنكم لم تصلوا، فالجماعة يصلون في المساجد وأنتم جالسون في بيوتكم؛ فتستحقون أن تحرق عليكم، وما منعه إلا أن في البيوت من لا يستحق الإحراق.

لا شك أن هذا الفعل دليل على أهمية هذه الصلاة، ودليل على وجوب أداء الصلاة مع الجماعة ولو كان فعلها في البيوت كافياً لما هم بالإحراق، ولا يهم عليه الصلاة والسلام بأمر إلا وهو حق، ولا يهم بباطل؛ لأجل هذا الحديث ذهب العلماء الموثقون إلى أن صلاة الجماعة فرض على الرجال المكلفين، ويستثنى من ذلك النساء والصبيان فلا تجب عليهم صلاة الجماعة، ويعرف من ذلك أن من تركها أو تخلف عنها فإنه مذنب ولو أنه أسقط الواجب، ولكن لا يمنع أن يكون الفعل واجباً، وأن يثاب على فعله حيناً ويعاقب على فعله، فتكون صلاته في بيته يحصل به على درجة أو على ضعف واحد وتفوته المضاعفات الكثيرة، ويستحق العقاب على تركه لصلاة الجماعة، فيثاب من جهة ويعاقب من جهة.

وبكل حال فإن صلاة الجماعة عند المحققين من العلماء فرض على الأعيان، لكل من ليس له عذر، ودليل ذلك الحديث الصحيح الذي يقول فيه: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) وفسر العذر بأنه خوف أو مطر أو مرض، يعني: الأعذار المانعة العائقة عن الإتيان إلى المساجد، فإذا لم يكن للإنسان عذر وصلى في بيته فإنه -وإن أسقط عنه فرض الصلاة- يستحق العقاب على التخلف، حيث ترك ما هو مأمور به، وترك المحافظة على هذه الصلاة، زيادة على ما يفوته من الحسنات ومن المضاعفات، وزيادة على ما يفوته من الحكم والمصالح التي شرعت لأجلها الجماعة.

ونحث كل مسلم على أن يكون مهتماً بأداء الصلاة في المساجد حيث ينادى بها كما حث على ذلك ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: (إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى-يعني: هذه الصلوات- حيث ينادى لها، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، وإنه كان ليؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) .

هذه حالة الصحابة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، لا يتخلف عنها إلا المنافق الذي عرفوا أنه منافق، وكان المريض يتكلف ويؤتى به يعضد له بين رجلين؛ كل ذلك محبة لأداء الصلاة مع الجماعة، فعلى كل مسلم أن يكون مهتماً بأداء الصلوات في الجماعة، وأن يحرض أولاده وإخوته وجيرانه على أداء صلاة الجماعة؛ ليحصل على الفضل ويسلم من الإثم.