للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]

أما حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ففيه أنه كان حريصاً على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم وللقراءة، فكان يحضر معه المغرب، ويتعلم منه ما ينزل من الوحي، وما يتجدد من الأحكام، ويطيل ملازمته، ويمكث على ذلك أكثر الوقت ثم يحضر صلاة العشاء، وبعدما يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ينصرف إلى قومه، وحيث إنه أقرؤهم، حيث كان من حملة وحفظة القرآن مع كونه من شبابهم، حيث كان في ذلك الوقت شاباً دون العشرين، فكان لذلك مقدماً في قومه، فلذلك كانوا يقدمونه في الصلاة، وينتظرونه ولو تأخر عليهم، فيصلي بهم تلك الصلاة التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرفق بهم وأن لا يطيل عليهم، وقد ذكرنا أنه كان يتأخر؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام غالباً ما يؤخر صلاة العشاء حتى يمضي من الليل ساعتان وربما ثلاث ساعات، ثم الطريق من المسجد النبوي إلى العوالي يستغرق ساعة أو قريباً منها، فلا يأتيهم إلا وقد مضى نحو ثلث الليل أو قريب منه.

وقد كانوا أهل عمل وأهل حرفة، فلأجل ذلك نصح وأمر بأن يرفق بهم وأن لا يطيل عليهم وأن يقرأ من قصار المفصل، ولكن الشاهد في هذا الحديث أنه كان يصلي بهم وهم مفترضون وهو متنفل؛ وذلك لأنه قد أدى الفريضة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأفادنا أنه يجوز أن يصلي المفترض خلف المتنفل، والمفترض هو الذي يصلي الفرض، والمتنفل هو الذي صلاته نفل.

اشتهر عن بعض الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز أن يصلي المفترض خلف المتنفل؛ وذلك لأن صلاة المفترض أقوى، فلأجل ذلك لا يكون الضعيف إماماً للقوي، ولكن هذا الحديث يخالف ما اختاره، حيث إن فيه دليلاً على أنه يجوز.

وإذا جاز هذا جاز العكس، وهو كون المتنفل يصلي خلف المفترض وتكون له نافلة، فقد ثبت: (أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلين معتزلين في ناحية المسجد، وكان في مسجد الخيف بمنى، فلما انصرف من صلاة الفجر، أمر بهما فجيء بهما فقال لهما: لماذا لم تصليا معنا؟ فقالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الجماعة فصليا معهم، وتكون لكما نافلة) .

فأفاد أنه يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض وذلك بأن تصلي مع الجماعة في المسجد النائي، ثم بعد ذلك تأتي وتجد جماعة يصلون فتعيد تلك الصلاة معهم، وتكون الثانية هي النافلة، ولو صليت الأولى وأنت منفرد، فإنك تصلي الثانية مع الجماعة، وتكون الثانية هي النافلة، والفريضة هي التي أديت في أول وقتها.