للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة السلام على النبي وحكمه والحكمة من مشروعيته في التحيات]

ثم بعد ذلك يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فبعدما تقرب إلى الله بهذه التحية كان من المناسب أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول الله المبعوث منه إلى عباده فيناسب أن يسلم عليه.

الله تعالى قد أمرنا بذلك في قوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] ، فناسب أن يسلم عليه، والسلام عليه مثل السلام على سائر العباد؛ لأنك تقول لمن تسلم عليه: السلام عليك يا أخي، السلام عليكم يا إخوتي، السلام عليكم أيها المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جاء بهذه التحية: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وهذه التحية هي تحية المسلمين التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قال: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النور:٦١] .

ما صفة هذا السلام؟ لقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت: (أنه عليه الصلاة والسلام دخل عليه رجل فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جاء ثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا: لماذا لم تزده؟ فقال: إنه لم يترك لنا شيئاً) معنى: أنه أتى بالتحية كاملة وهي إلى قوله: (ورحمة الله وبركاته) ؛ وذلك لأن الله تعالى ذكر الرحمة والبركة في حق آل إبراهيم في قوله تعالى: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:٧٣] فلما ذكرت الرحمة والبركات ناسب أيضاً أن تذكر في التحيات، وناسب أن تذكر في التشهد.

ثم تتفاوت الدرجات والحسنات بحسب هذه التحية، ثبت: (أنه جاءه رجل فقال: السلام عليكم، فرد عليه وقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه وقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه وقال: ثلاثون -يعني: ثلاثين حسنة- ثم قال: هكذا تتفاضل الأعمال) يعني: كل من زاد زاد له الأجر، وزادت الحسنات في حقه، فهذا هو الأصل في التحيات وفي السلام.

لا شك أن السلام دعاء، ولذلك يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: السلام دعاء، والصالحون يدعى لهم ولا يدعون مع الله، ولما قال: (السلام عليك أيها النبي) ، قال: تدعون له والذي يدعى له لا يدعى مع الله.

فأفاد أن الله تعالى يدعى ولا يدعى له، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يدعى له ولا يدعى، إنما الدعاء خالص لله وحق لله تعالى.

فهذا هو الأصل في مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء له بالرحمة التي هي زيادة البركة والخير، والدعاء له بالبركة التي هي كثرة الخير.

ويعتبر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من تتمة التشهد لا يسقط بحال، يعني: هذه التحيات والصلوات والطيبات، والسلام على النبي تعتبر من أصل التشهد، لا يعفى عنه ولا يسقط.

أما السلام على عباد الله فإنه سنة، إن أتى به فهو فضيلة وإن لم يأت به لم تبطل صلاته، بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.