للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقرأ في فجر يوم الجمعة]

في الحديث الأخير: ما يُقرأ في فجر يوم الجمعة، ففيه: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بهاتين السورتين: سورة {الم * تَنزِيلُ} [السجدة:١-٢] السجدة، وسورة: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [الإنسان:١] ) .

ويذكر العلماء أن تخصيص هاتين السورتين لمعنىً فيهما، لا لأجل اختيار السجدة -مثلاً-، بل لمعنىً في السورتين، فيقولون: إن هاتين السورتين قراءتهما في صبح الجمعة سنة مؤكدة، كان عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك أو يكثر من قراءتهما في صلاة الصبح.

سورة {ألم} [السجدة:١] مشتملة على المعاد، مشتملة على الثواب والعقاب، ففيها مبدأ خلق السماوات: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٤-٥] إلى قوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:٧] .

فذكر خلق السماوات، ثم ذكر خلق الإنسان وأنه بدأه من طين، ثم ذكر بعد ذلك نهايته: {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:١١] .

ثم ذكر بعد ذلك البعث في قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة:١٢] .

والذي يسمعها يتذكر مبدأ الخلق؛ خلق السماوات وخلق الإنسان ووفاته والبعث بعد الموت والحضور عند الرب تعالى في ذلك اليوم، وكون الحاضرين ناكسي رءوسهم يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:١٢] .

كذلك أيضاً: ذكر الثواب والعقاب في أثناء هذه السورة في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة:٢٠] ، ولما ذكر ثواب هؤلاء ذكر عقاب هؤلاء.

فالحكمة في قراءتها: ما اشتملت عليه من المبدأ والمعاد والوعد والوعيد، وليس لأجل السجدة كما يفعله بعض العامة ويعتقدونه، ويعتقدون أن القصد هو السجدة، فيقرأ بعضهم سورة: {اقْرَأْ} [العلق:١] ويقول: سجدت، ويقرأ بعضهم سورة: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:١] ويقول: سجدت، وليس ذلك هو المقصود، بل نفس السورة هي المقصودة.

كذلك السورة الثانية أيضاً فيها ذكر المبدأ والمعاد، وذكر الله تعالى فيها المبدأ والمعاد، وذكر فيها الثواب والعقاب.

مبدأ الإنسان: {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:١] .

ومبدأ خلقه: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:٢] إلى قوله: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ} [الإنسان:٥] ، هذا هو الثواب، كذلك العقاب: فيما ذَكَرَه.

فالحاصل: أن هاتين السورتين مقصودتان بالذات، فالذي يريد السنة يقرأهما، وبعض الأئمة يقتصرون على قراءة واحدة منهما، وربما بعض واحدة، وهذا لم يأتِ في السنة، ولا تكون السنة إلا إذا قرأهما كاملتين كما هما، فهذه هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض العلماء يكره المداومة عليهما مخافةَ أن يُعتقد أن قراءتهما واجبة، وأن الذي لا يقرأهما لا صلاة له، والصحيح: قراءتهما سنة وليس بواجب.