للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة ما يؤخذ للزكاة]

ثم نهاه عن الظلم بقوله: (وإياك كرائم أموالهم) ، وكرائم الأموال نفائسها وخيارها، فإذا كانت أموالهم من المواشي -مثلاً- فلا تأخذ خيار المال، ولا تأخذ أنفسها فتكون ظالماً لهم، ولكن خذ من الوسط، ولا تأخذ من الرديء فتظلم بذلك الفقراء وتعطيهم دون ما يستحقون، ولا تأخذ من خيارها وجيدها ونفيسها فتظلم ذلك الغني وتأخذ منه غير ما يجب عليه، ولكن خذ من الوسط (إن الله لم يكلفكم خيار أموالكم، ولا يقبل منكم شرارها، ولكن الوسط) .

وقد ذكر العلماء من الخيار -مثلاً- السمينة التي هي الغاية في السمن، أو اللبون التي هي الغاية في ذلك، وكذلك الربع التي تربي ولدها أو أولادها، وكذلك فحل الغنم الذي يحتاجون إليه وهو عندهم نفيس، وما أشبه ذلك.

وذكروا من الرديء أنه لا يقبل تيس؛ لأنه قد يكون رديئاً، ولا تقبل هزيلة ضعيفة ليس فيها -مثلاً- مخ، أو ليس فيها ما يرغب فيها، بل يأخذ من وسط المال لا من خياره ولا من شراره.

وإذا أخذ من شراره ظلم الفقراء كما قلنا، فلم يعطهم إلا أقل من حقهم، ويقال كذلك -أيضاً- في الإنسان الذي يدفع زكاة ماله من نفسه، فإذا كان عنده مال فيه جيد ورديء، مثل التمور التي يجنيها أو يجزها من نخله فيها جيد وفيها رديء وفيها متوسط، فلا يعطي الفقراء من خيار ماله، أي: لا يلزم بأن يدفع من خيار ماله؛ لأن في ذلك ظالماً له، ولا يدفع من شرار التمر ورديئه وحشفه وما لا رغبة فيه، فيكون بذلك ظالماً للفقراء، ولكن من وسطه وأغلبه، هذا هو الأصل.

فإذا أخذ الجابي خيار المال ظلم ذلك الغني وأخذ منه ما لا يستحق، فيخشى عليه من دعوة صاحب الغنم أو صاحب الإبل الذي أخذ منه شيئاً زائداً، وإذا دعا فإنه يعتبر مظلوماً، فلذلك قال: (واتق دعوة المظلوم) ، فإذا أخذت منه ما لا يستحق فأنت ظالم له وهو مظلوم، فربما يدعو عليك فتجاب دعوته، فدعوته ليس بينها وبين الله حجاب، أي أنها لا تحجب عن الله، بل يرفعها فوق الغمام، ويقول: (وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) أي: لأنصرنك أيها المظلوم، فتقبل دعوته ولو بعد حين، فليتقِ الإنسان الظلم، والحديث عام في أن المظلوم تجاب دعوته، سواء أكان الظلم بأخذ ما لا يجب عليه في الزكاة، أم بغير ذلك من أنواع الظلم.