للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وحكمته]

الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) .

والحكمة في ذلك أن يتميز رمضان، وأن تكون أيامه متميزة لها أول ولها آخر، فأولها اليوم الأول من شهر رمضان، فلا يصوم اليوم الذي قبله، ولا اليومين الذين قبله، وآخرها اليوم الثلاثون أو التاسع والعشرون إن كان ناقصاً، فلا يصوم اليوم الذي بعده وهو يوم العيد، فيكون رمضان متميزاً؛ لأنه الفرض وما عداه فهو نفل، والنفل يتميز عن الفرض، وذلك بحكمه وبصفته، هكذا قال العلماء.

وقد ورد -أيضاً- حديث في السنن فيه أكثر من ذلك، فيه قوله: (إذا انتصف شهر شعبان فلا تصوموا حتى رمضان) ، وهذا الحديث كأنه لم يثبت عند بعضهم، وذكر بعضهم أن فيه ضعفاً، ولكن إسناده على شرط مسلم، فهو صحيح من حيث السند، ولكنه غريب من حيث المتن، وقد تكلم العلماء على حكم الصيام قبل رمضان -أي: من آخر شعبان- وأوضحوا أنه لا بأس به، وقد استدل على ذلك بما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم في شهر شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلاً) تعني أنه يكثر من صيام أيام شعبان، وإنما يفطر منه أياماً قليلة، ولعل ذلك ليقوى على استقبال شهر رمضان؛ فإن الإكثار من صوم شعبان يقوي على شهر رمضان.

وروي -أيضاً- في الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر -يعني: شعبان-؟ قال: لا.

قال: فإذا أفطرت فصم يومين) ، وسرر الشهر: آخره.

فدل على أنه يجوز الصوم من آخره، كاليوم الخامس والعشرين أو السادس والعشرين أو نحو ذلك، فأفاد أنه لا بأس أن يصام في آخر شعبان كما يصام في أوله.

فمفاد هذا الحديث والحكمة فيه أن لا يتقدم رمضان بيوم أو يومين حتى يتميز رمضان، ورخص في ذلك لصاحب العادة التي يصومها، مثاله: إذا كنت تصوم كل اثنين أو كل خميس، فوافق أن آخر شعبان يوم الإثنين أو يوم الخميس، فلك أن تصوم ذلك؛ لأن هذا صيام لسبب، ولا بأس بالصيام لسبب، ومثلوا -أيضاً- بمن اعتاد أن يصوم يوماً ويفطر يوماً من دهره كله، كما التزم بذلك بعض الصحابة، وهو صيام داود كما سيأتي.

فإذا وافق أن اليوم الذي يصومه هو آخر شعبان فلا بأس أن يصومه بهذا النية، أعني أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيصوم اليوم التاسع والعشرين وهو آخر شعبان -مثلاً- أو يفطر التاسع والعشرين ويصوم الثلاثين إذا كان شعبان كاملاً، وعلى كل حال فلا بأس إذا كان له عادة.

وهكذا لو كان عليه أيام قضاء، فلو أن إنساناً أفطر من رمضان، أو امرأة أفطرت من نفاس أو حيض ولم يتيسر لها الصيام إلا في شعبان أو في آخر شعبان وجب حينئذ وتحتم، وقد ذكرت عائشة أنها أحياناً لا يتيسر لها صيام أيام القضاء إلا في شعبان أو في آخر شعبان، فدل على أنه لا بأس، فلو أن إنساناً -مثلاً- عليه خمسة أيام من رمضان الماضي وفرط فيها، ولم يتفرغ إلا في اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من شعبان تحتم عليه أن يصوم الخمسة الباقية؛ لأنها من تمام فرضه للعام الماضي؛ لأنه إذا فرط حتى جاءه رمضان الثاني اعتبر مفرطاً، وألزم بالكفارة مع القضاء، والكفارة صيام أيامه التي ترك وإطعام مساكين بعدد أيامه.

فلو قدر -مثلاً- أنك أفطرت خمسة أيام من رمضان، ثم تفارطت الأيام وتتابعت الأشهر وأنت ما صمت، فجاءك رمضان الثاني وأنت ما صمت، فصمت رمضان الثاني والخمسة باقية عليك من الأول فماذا تفعل؟ عليك صيامها بعد رمضان، وعليك إطعام خمسة مساكين جزاءً لتفريطك وتأخيرك.

فنقول: يجوز لمن عليه صيام واجب أن يصوم آخر شعبان، ولو كان اليوم الذي يليه رمضان، وهكذا لو نذر أياماً وافق أنها آخر شعبان فإنه يصومها؛ لأن صيام النذر واجب.