للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابتداء وقت وجوب الصيام]

أما متى يبدأ في صيام رمضان فالصحيح أنه يجب إذا رأى الناس الهلال أو أكملوا شعبان ثلاثين يوماً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم لشعبان، فيأمر الناس بأن يهتموا به ليروه وينظروا في دخوله، فإذا دخل شعبان أخذ يعد الأيام، وأمر أصحابه بأن يعدوها، فإذا مضى تسعة وعشرون عند ذلك نظروا، فإن رأوه في ليلة الثلاثين صاموا وصار الشهر ناقصاً -أعني: شعبان-، فإن لم يروه أو كان هناك غيم أو قتر أصبحوا مفطرين وأتموا شعبان ثلاثين يوماً، فهذه هي العادة التي أمر بها عليه الصلاة والسلام.

لكن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث معنى، فهذا الحديث يقول: (فإن غُم عليكم فاقدروا له) ، فقوله: (إن غم عليكم) يعني: إن كانت ليلة الثلاثين فيها غيم ولم تروه ولم تتمكنوا من رؤيته فإنكم تصومون.

هكذا قال بعضهم، قال: (اقدروا له) أي: ضيقوا له.

وكان ابن عمر -الذي هو راوي الحديث- إذا كانت ليلة الثلاثين أرسل من ينظر، فإن رأوه أصبح صائماً يوم الثلاثين، فإن لم يروه وكانت السماء صحواً أصبح مفطراً؛ لأنه تحقق أنه لم يثبت، ولو ثبت لرأوه، فإن كان هناك غيم أو قتر قد حال بينهم وبين رؤيته أصبح صائماً، وحمل ذلك على أن قوله: (اقدروا له) يعني: ضيقوا له واجعلوه أضيق شيء.

والتضييق أن يجعل شعبان تسعة وعشرين، هكذا عمل ابن عمر، فكأنه يصوم اليوم الثلاثين إذا كانت ليلة الثلاثين فيها غيم أو قتر.

ولكن الجمهور على أنه لا يصام ذلك اليوم -الذي هو يوم الثلاثين- إذا كان في السماء قتر أو غيم، بل يصبحون مفطرين؛ لأنه لابد أن يكون الصيام عن رؤية أو عن يقين بدخول الشهر، وذلك يتوقف على إتمام شهر شعبان ثلاثين يوماً.

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام الشك، فقال سلمان: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ، واليوم الذي يشك فيه هو اليوم الذي لا يدرى هل هو من شعبان أو من رمضان، فيفطرونه حتى يتحققوا أنهم لم يصوموا شيئاً إلا رمضان، حتى يكون رمضان متميزاً ليس فيه ما يخلطه بغيره، هكذا أمر في هذا الحديث، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) ، ثم قال مرة: (وهكذا وهكذا وهكذا) يعني: مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين.

ثم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكلموا العدة) أي: فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً.

هكذا أمرنا، فعلينا أن نفطر شعبان حتى نرى الهلال، أو نكمل ثلاثين يوماً إذا لم نره.

وهكذا رمضان، فنصوم إلى أن نرى هلال شوال، أو نكمل شهر رمضان ثلاثين يوماً، هذه هي السنة.

أما الصيام فمعروف أنه الإمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهذه مدة يوم الصيام.