للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الجنب إذا أدركه الفجر قبل الاغتسال]

قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الصيام: [عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! هلكت.

فقال: ما أهلكك -أو: ما لك-؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم -وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا.

قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.

قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا.

قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما نحن على ذلك إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر -والعرق: المكتل- فقال: أين السائل؟ قال: أنا.

قال: خذ هذا فتصدق به.

قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك) الحرة: الأرض تركبها حجارة سود] .

هذه أحاديث تتعلق ببعض الأحكام في الصيام، فقد كان أول ما شرع الصيام إباحة الإفطار بعد غروب الشمس إلى أن ينام الإنسان، فإذا نام في وسط الليل أو في آخر الليل أو في أوله لزمه الإمساك إلى الغروب من الغد، فلم يجز له الأكل ولا الشرب ولا الجماع بقية الليلة التي نام فيها، ولم يكن هناك إباحة لأكل السحور في آخر الليل، فعلم الله أن عليهم في ذلك مشقة، فأباح لهم الأكل في الليل والجماع فيه بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧] إلى قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] ، فأباح لهم الجماع والأكل والشرب طوال الليل إلى الفجر، وأمرهم بالإمساك بعد الفجر إلى الليل، أي: إلى ابتداء الليل وهو غروب الشمس.

فهذه شرعية الصيام، واستقر الأمر على ذلك.

وروى أبو هريرة حديثاً رواه عن الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدركه الفجر وهو جنب فليقضِ ذلك اليوم) ، ثم إن أبا هريرة أخبر بأنه رواه عن الفضل، ولما نقل له أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً رجع عن الفتيا بهذا الحديث، وذكر العلماء أنه من الأحاديث المنسوخة، أي أنه كان قبل إباحة الأكل والشرب والوقاع في الليل، فإذا وطئ ولم يغتسل في الليل وأدركه الفجر قضى ذلك اليوم، وبعد ذلك استقر الأمر على الإباحة.

وما الحكم فيما إذا أصبح جنباً قبل أن يغتسل إذا انتبه من الليل في آخره وقد قرب الوقت للسحور وعليه جنابة، فهل يقدم الاغتسال ولو فاته السحور، أو يقدم السحور ولو طلع الفجر ويؤخر الاغتسال؟

الجواب

يقدم السحور.

وتقدم لنا أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) ، ويؤخر الاغتسال؛ فإن وقته واسع ولا يضر تأخيره، وإذا طلع الفجر قبل أن يغتسل اغتسل وصلى وأتم صيامه ولم يضر ذلك بصومه.

فأخبرت عائشة وأم سلمة في هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من أهله في رمضان، أي: يدركه الفجر وهو جنب من أهله -أي: من جماع لا من احتلام- ثم بعد ذلك يغتسل ثم يصلي الفجر، ثم يتم صيامه، ولا يرده ذلك عن إتمام الصيام، وأخبرتا أن ذلك في رمضان، وأن هذا وقع منه مراراً في رمضان، فأفاد أن هذا الصوم لا يضره كونه أصبح وهو جنب، هكذا ثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا شك -أيضاً- أن الصحابة وقع منهم ذلك تكراراً، وذلك لأن هذا الفعل من ضروريات الحياة، فالإنسان غالباً قد يغلبه النوم بعد الوطء وقبل الاغتسال، فيؤخر الاغتسال إلى آخر الليل، فلا يستيقظ إلا قرب طلوع الفجر، فيؤثر أنه يتسحر ولو طلع الفجر، ويقع هذا كثيراً، فعليه أن يتم صيامه ولا يضر ذلك به، فهذا معنى الحديث الأول.