للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الصيام في سبيل الله تعالى]

بقي الحديث الأخير الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) ، وهو حديث صحيح، وفيه فضل الصوم في سبيل الله، قيل: المراد الصوم وهو غازٍ، فأكثر ما يطلق سبيل الله على الغزو، فعندما يذكر الله هذا الاسم ينصرف إلى الغزاة، ففي قوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران:١٦٩] أي: في الغزو.

وكذلك في قوله تعالى: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [التوبة:٢٠] وما أشبه ذلك، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [النساء:٩٥] ، فسبيل الله المراد به الغزو.

ومعلوم أن الغزو غالباً يكون في سفر، والغازي يحتاج إلى سفر وأن يقطع مسافة قد تستغرق سنة، وقد تستغرق شهراً، وقد تستغرق أياماً في هذا الغزو، ومع ذلك فالسفر مظنة المشقة، ومع ذلك رغب في الصوم فيه، ووردت أدلة في النهي عن السفر مع المشقة، كقوله: (ليس من البر الصوم في السفر) كما تقدم، ولكن إذا لم يكن هناك مشقة، أو كان الإنسان لا يعوقه الصوم وصام في هذا الغزو حصل على أجر وظفر بمضاعفة الثواب، فلأجل ذلك جعل الله الصوم في سبيل الله سبباً لإبعاده عن جهنم، قال صلى الله عليه وسلم: (بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) .

وهناك قول أن المراد بقوله: (من صام يوماً في سبيل الله) أن المراد بسبيل الله ليس هو الغزو، وإنما المراد سبيل الله الذي هو الطريق الموصل إلى الله، يقولون: كل شيء يوصل إلى الله فإنه من سبيل الله.

فلذلك يقولون: صلى في سبيل الله.

تصدق في سبيل الله، صام في سبيل الله.

حج في سبيل الله.

وروي أن رجلاً سبل بعيراً له في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج من سبيل الله) يعني: أعطه من يحج عليه، وكأنه في سبيل الله في الغزو، فدل على أن سبيل الله هو كل عمل يبتغى به وجه الله، فمعناه: أن من صام يوماً ابتغاء وجه الله، وطلباً لما يوصل إلى الله فإنه يستحق هذا الثواب، وهو أنه يبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً، وذلك فضل كبير! فيدل على فضل صوم التطوع، وأن الإنسان إذا صام تقرباً إلى الله تعالى وأكثر من الصوم، فكل يوم يصومه له هذا الأجر؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يكثر الصوم، فيسرد الصوم حتى يقال: لا يفطر، وأحياناً يسرد الفطر حتى يقال: لا يصوم، ولكنه غالباً يصوم من كل شهر، ويرغب في الصيام من كل شهر، ولو ثلاثة أيام أو ما تيسر منه؛ ذلك لأن الصيام عمل بر يحبه الله تعالى، وقد اصطفاه لنفسه في قوله: (الصوم لي وأنا أجزي به) والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.