للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفدية التي يجب إخراجها على من قتل صيداً وهو محرم

وقد بين العلماء الفدية التي يفديها من قتل شيئاً من الصيد تعمداً عملاً بقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥] أي: فعليه من النعم مثلما قتل من الصيد أي: ما يقاربه وما يكون مماثله.

والنعم التي تكون منها الفدية الإبل والبقر والغنم، هذه هي التي تخرج منها فدية الجزاء الذي يسمى جزاء الصيد، فإذا قتل شيئاً من الصيد الذي حرم اصطياده بالإحرام قيل له: اخرج عنه فدية أو جزاء.

وقد بين العلماء الجزاء الذي يكون فيها، فبينوا -مثلاً- أن الضبع من جملة الصيد، وأن فيه كبشاً، والكبش هو الذكر من الضأن، وأن الأرنب والوبر ونحوهما فيه جفرة من المعز، وأن الضبي فيه الأنثى من المعز، وذلك لأنها تشبهه، وأن النعامة من الصيد فيها ناقة أو بعير -بدنة-، وذلك لأنها تشبهها في طول العنق، حتى قالوا: إن الحمامة وما يشبهها من الفواخت والقطا ونحوها الفدية فيها شاة، وذلك لأنها تشبهها في العب والشرب، تعب عباً، فهذه أمثلة لما قضى به الصحابة في جزاء الصيد.

والحاصل أنه إذا صاده وهو محرم متعمداً فلابد من الجزاء، أن يخرج جزاءه من بهيمة الأنعام، وذلك الجزاء يذبح بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم، وأما العمد والخطأ فقال بعض العلماء: إنهما سواء، فإذا قتله ولو مخطئاً فإنه يخرج الجزاء، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم جاءهم من قتل شيئاً من الصيد ولم يسألوه: هل أنت متعمد أو أنت غير متعمد؟ والأصل أن أولئك الصحابة لا يمكن أن يتعمدوا القتل للصيد وهم قد عرفوا المنع، فالأقرب أنهم ليسوا متعمدين، ومع ذلك جعلوا فيه فدية، وذلك لأنه يعتبر إتلافاً، والإتلاف لابد فيه من الفدية حتى من الخاطئ، حتى لو قطع شجرة من شجر الحرم مخطئاً أمر بأن يخرج فدية بدلها، فكذلك إذا قتل حمامة من حمام الحرم ولو خاطئاً أمر بأن يخرج جزاءها شاة، وقد وقع أن عمر رضي الله عنه خلع رداءه مرة وأرد أن يلقيه على وتد في الحرم، وكان عليه حمامة لم يشعر بها، فطارت من موضعها فوقعت في جانب فجاءها قط فافترسها وهو ينظر، فقال: أنا الذي أطرتها من مكانها وهي آمنة وعرضتها لهذا الخطر حتى افترست، فلابد أن أخرج لها فدية فأخرج لها فدية وهي شاة، مع أنه ما تعمد قتلها وما رماها، ولكن لما كان له شيء من التسبب في إطارتها وإزالتها لم يرتح حتى أخرج فديتها، فدل على أنه تخرج الفدية حتى ولو كان مخطئاً، هذا هو الأصل في منع المحرم من الصيد، وكذلك غير المحرم بالنسبة إلى صيد مكة.

مكة لما كانت محرمة لا يحل قطع الشجر فيها ولا يحل قتل الصيد ولا تنفيره صار فيها جزاء، ففي شجرها جزاء، وفي صيدها جزاء، حتى ولو قتل فيها عصفوراً لأمر بأن يدفع له جزاء.