للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الرهن وبيان الحكمة من مشروعيته]

قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب الرهن وغيره: عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعاً من حديد) ] .

هذا الباب عقده المصنف لأحاديث تتعلق بموضوعات من البيوع ونحوه، وبدأ بهذا الحديث الذي يتعلق بالرهن، والرهن معروف ذكره الله تعالى في القرآن فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣] ، وقرأها بعضهم: (فرهن مقبوضة) أي: جمع رهن، وكل شيء يمسك لأجل حق من الحقوق يسمى رهناً، ومنه قوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:٢١] ، وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨] أي: مرهونة بكسبها.

والإنسان قد يحتاج إلى سلعة يشتريها وليس معه ثمنها، وصاحبها لا يريد أن يفرط في دراهمه أو في قيمة سلعته، فيقول له: أطلب منك رهناً أتوثق به أنك تُسلِّم الدين إذا حل، أو إذا وجدته، فالرهن: وثيقة يمكن أخذ المال أو ثمن المبيع منها أو من ثمنها، فالراهن أعطى هذه السلعة للمرتهن ليتوثق من حقه، فكلاهما منتفع، والراهن قد يصعب عليه أن يجد الثمن أو يجد من يقرضه، أو يجد من يبيعه بمؤجل بدون رهن، والمرتهن قد لا يثق به، فيقول: من المصلحة أني أعطيه هذه السلعة بثمن غائب وأقبض السلعة الأخرى وثيقةً إذا حل الدين؛ إما أن يوفيني وإما أن أبيعها وأقبض دراهمي من ثمنها، هذا هو الأصل.

ولا شك أن الله تعالى شرعه للتوسعة على الطرفين، فالراهن يتوسع حيث إنه قد لا يجد الثمن الآن، ولكن يمكن أن يجده بعد شهر أو بعد شهرين أو بعد سنة، كأن يأتيه من كسب له أو يأتيه من حق له أو يأتيه من حرفة أو من دين أو من مال أو نحو ذلك، فيطلب هذا المال، أو يطلب -مثلاً- طعاماً لأهله، أو كسوة ضرورية لأهله، أو طعاماً لضيف نزل به، أو بيتاً يستأجره، ولا يحد الأجرة، أو ما أشبه ذلك.

والمرتهن ينتفع أيضاً، حيث يحصل له زيادة في الثمن لأجل التأجيل، فهو يبيعه هذه السلعة مؤجلة لمدة سنة، وقيمتها -مثلاً- نقداً بمائة ولكن يبيعها له بمائة وعشرة؛ لأجل الدين، ولأجل غيبة الثمن، وحينئذٍ ينتفع بزيادة الثمن ويتوثق بهذا الرهن، فإذا باعك إنسان كيساً قيمته مائة، واشتريته منه بمائة وعشرين لمدة سنة، ورهنته سيفك أو درعك، أو رهنته بيتك أو دابتك أو سيارتك ليتوثق بها، وأنت واثق بأنك ستجد قيمة هذا الكيس بعد شهرين أو بعد سنة أو نحو ذلك، فإذا وجدته دفعت له قيمة الكيس وخلصت رهنك، والبائع انتفع بزيادة ماله، وبقبضه لهذا الرهن الذي هو وثيقة.