للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز كراء الأرض بقدر معين مما يخرج منها أو بالنقود]

أما إذا كان الأجرة بشيءٍ معين أو بنقود فلا مانع من ذلك، وذلك مثل أن يقول: أجرتك أرضي لتزرعها ولي ربع الزرع، أو عشر الزرع، أو نصف العشر، أو ما أشبه ذلك، يتفقان على شيء للمالك مقابل كراء أرضه، والبقية للعامل.

كذلك أيضاً: إذا كانت الأجرة بنقود، كأن يقول: أجرتك الأرض تزرعها أو تغرس فيها سنة أو سنين كل سنةٍ مثلاً بمائة ريال أو ألفٍ أو ألوف؛ لأنه كراء عقار بمنزلة كراء الدكاكين وكراء العمارات وما أشبه ذلك، ولا مانع من الكراء، وعلى المكتري أن ينتفع بها فيما اتفق عليه من الانتفاع.

أما الأحاديث التي وردت في النهي عن كراء الأرض فقد اختلف فيها واختلفت ألفاظها، فالمؤلف هنا اقتصر على الأحاديث التي فيها الإذن، وإلا فنفس الأحاديث من رواية رافع قد ورد أنه نهى عن كراء الأرض مطلقاً، وقال: (من كان له أرضٌ فليزرعها، أو ليمسكها، أو ليمنحها أخاه) ، وظاهر هذا أنه منعهم من أن يكروها بأجرةٍ أو بقسطٍ من الناتج أو نحو ذلك، وأمرهم بأن يمسكوها أو يمنحوها إخوتهم، ولكن لعل هذا كان في أول الأمر، ثم رخص لهم بعد ذلك أن يؤجروها بقسطٍ مما يخرج منها أو بالدراهم والدنانير.

أو لعل النهي كان عن العمل الجاهلي، أي: كأنه قال: إذا كانت لك أرض وأنت تؤجرها بالأجرة الجاهلية، أي: بما على أقبال الجداول أو بما على الماذيانات وما أشبه ذلك، فلا تؤجرها بهذا، بل إما أن تمسكها، وإما أن تمنحها أخاك، وإما أن تبيعها.

فهذا يحمل عليه الأحاديث التي فيها النهي الشديد عن تأجير الأرض، ولا شك أن الذي ملك الأرض وأحياها -ملكها بالإحياء أو بالشراء أو نحو ذلك- لأنه قد صار أحق بغلتها، وأحق بغرسها أو بزرعها، فما دام أنها في ملكه فهي كسائر الأملاك له أن ينتفع بها، وله أن يؤجرها، وله أن يمنحها، وله أن يعيرها، وينتفع بها ببقية أنواع الانتفاع كما ذكر في هذا الحديث وكما ذكر في أحاديث غيره.