للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطرق الشرعية لملك الأرض دون ظلم]

هذا الحديث يحذر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم، ويمثل بظلم الأرض، يعني: اقتطاع الأرض، ومعلوم أن الأرض ملك لله تعالى يورثها من يشاء، قال تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:١٢٨] ، ويقول الله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:١٣٧] ، فأخبر بأنها لله وأنه يملكها من يشاء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأرض تملك بالإحياء، فقال: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) .

وذكر العلماء أنواع الإحياء الذي تملك به الأرض، فقالوا: يحصل بحفر الآبار، فقد ورد أن من حفر بئراً حتى وصل إلى الماء، فإنه يملك تلك البئر ويملك حريمها، أي: ما حولها، قيل: إنه يملك مد رشائها، وقيل: يملك من كل جانب خمسةً وعشرين ذراعاً إن كانت بئراً منتزعة، وأما إذا كانت قديمةً فإنه يملك خمسين ذراعاً، أما إذا كانت بئراً زراعيةً حفرها للزراعة، فإنه يملك ثلاثمائة ذراع من كل جانب، وبكل حال فهذا مما تملك به الأرض.

كذلك أيضاً تملك بالسقي، فإذا جلب الماء إلى الأرض وسقاها فإنه يملكها إذا أخرج ماءً من بئرٍ فسقى به تلك الأرض، سواء كان فيها زرع أو شجر أو ليس فيها.

وكذلك إذا أجرى الماء إليها: فإذا أجرى الماء في ساقيةٍ أو مواسير أو نحوها، إلى أن وصل إلى هذه الأرض وسقاها، ملكها بذلك، ولا يملكها إذا صب الماء فيها من إناء أو نحوه.

فلو أن إنساناً ملأ سيارةً مما يسمى بالوايت، وجاء إلى أرضٍ صحراء وصب الماء عليها، لم يملكها بذلك إلا أن يكون قد غرس فيها أو زرع، فأما إذا جلب الماء إليها ولو من بعيد فإنه يملكها مع الساقية ونحوها.

كذلك أيضاً يملكها بالبناء: فإذا بنى حولها قدر ما يستر الواقف حائطاً مستديراً من كل جهاتها فإنه يملكها وتدخل في ملكه بمثل ذلك.

فعرفنا بذلك أنه إذا أحياها فقد ملكها.

(من أحيا أرضاً ميتةً فهي له) ، والميتة: هي التي ليس فيها آثار تدل على أنها قد ملكت قبله، بل لم يكن لها مالك، فهذا دليل على أنه يملكها بهذا الإحياء، فإذا ملكها فلا شك أنه أحق بها، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليها ولا أن يتقدم ويأخذ ويتملك منها شيئاً ولو كان قليلاً.