للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يقع طلاق البدعة؟]

هل يقع طلاق البدعة أو لا يقع؟ ابن عمر طلقها وهي حائض، وذلك الطلاق بدعة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يردها وقال: (مره فليراجعها) ، كلمة (يراجع) دليل على أنها طلقة؛ لأن الرجعة لا تكون إلا لمطلقة، فأفاد بأن تلك الطلقة حسبت، وسمعنا قوله في هذا الحديث: (وحسبت عليه تطليقة) ، أي: حسبت تلك الطلقة التي في الحيض، وعدت عليه من طلقاتها؛ وذلك لأن الزوج يملك ثلاث طلقات، فإذا طلق المرة الأولى ملك الرجعة ما دامت في العدة، وإذا انتهت العدة قدر على نكاحها بعقد جديد إذا تراضوا بينهم.

وإذا طلقها المرة الثانية سميت أيضاً رجعية، يقدر على أن يستردها في العدة ولو بدون رضاها وبدون عقد، فإذا انتهت العدة من الطلقة الثانية فهي بائن بينونة صغرى، له أن يخطبها، وإذا تراضوا بينهم جدد العقد ورجعت إليه.

فإذا طلقها الطلقة الثالثة بانت منه بينونة كبرى، بحيث لا يستطيع أن يردها، ولا يقدر على ردها، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل.

فهذا هو الطلاق الشرعي: أولاً: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلا يستعجل مخافة أن يندم، كما حكي عن الفرزدق أنه لما طلق امرأته ندم ندامة شديدة وقال في شعره: ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار كانت له زوجة اسمها نوار، طلقها وندم عليها ندامة شديدة كندامة الكسعي، فمن تسرع في الطلاق قد يندم، فعليه أن يتريث وأن يصبر.

ثانياً: إذا عزم على الطلاق فإن عليه أن يطلقها وهي طاهر في طهر لم يطأها فيه، لا يطلق في حيض ولا يطلق في طهر قد جامعها فيه إلا أن تكون حاملاً.

ثالثاً: عليه أن يطلق واحدة ولا يزيد، فالزيادة على الواحدة طلقتين أو ثلاث طلقات بدعة، وإن كان يقع عند بعضهم، بل يقتصر على طلقة واحدة.

رابعاً: إذا طلقها فليتركها تبقى في بيتها؛ لأنها في حكم الزوجة ما دامت في عدته ومحبوسة عليه، فهي كزوجة له، يجوز لها أن تتكشف أمامه، ويجوز لها أن تتجمل وأن تتطيب وأن تتعرض له، فإذا غلبته نفسه واندفع إليها ووطئها فلا تمتنع منه، ويكون وطؤه لها كرجعة، يعني: يعتبر أنه راجعها؛ فلأجل ذلك قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:١] يعني: المطلقات {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:١] ، لا تخرج المطلقة إلا إذا كانت بذيئة اللسان، إذا كانت مثلاً شريرة فيها شيء من العتو ومن النفرة ومن الشر والقساوة الشديدة فهذا هو الفاحشة، فالفحش هو الفحش في القول، فإذا أتت بفاحشة مبينة فيجوز له والحال هذه أن يخرجها، فإذا لم تكن كذلك فإنه يتركها في بيتها، ويجوز أن يدخل ذلك البيت، وما دامت في العدة فلها حق أن ينفق عليها، ولها حق أن يبيت عندها، وإن بات عندها وحفظ نفسه ولم يطأها حتى انتهت عدتها فإنها تحل بعد ذلك لغيره، أي: إذا انتهت عدتها وهو لم يراجع ولم يجامع، فتحل لغيره وتحل له أيضاً إن أراد زواجها إذا كان الطلاق رجعياً كما قلنا.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر على ابن عمر أنه طلقها وهي حائض، وجعل ذلك الطلاق بدعة وقال: (مره فليراجعها) ، فأفاد أن من طلق حائضاً يقال له: راجع.

ما معنى راجع؟ يشهد لقول الله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] فيقول: اشهدا يا فلان وفلان أني قد راجعت امرأتي.

إلى متى هذه الرجعة؟ إذا راجعها أمسكها، فإذا طهرت من تلك الحيضة التي طلقت فيها فالرجعة لها آثار، فلابد من أن يجامعها في ذلك الطهر الذي يلي تلك الحيضة حتى يصدق عليه أنه راجعها؛ لأنه قال: (مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) ، فطلاقها في الطهر الذي راجعها في الحيض قبله يعتبر أيضاً بدعة، فيقال له: إذا راجعتها وهي حائض فلا تطلقها في الطهر الذي بعده، ولو لم تمسها، بل لا تتم الرجعة إلا بأن يمسها -أي: يجامعها في ذلك الطهر- ثم يتركها، فإن تبين حملها طلقها بعد الحمل، وإن لم يتبين حملها بل حاضت الحيضة الثانية فإذا طهرت من الحيضة الثانية طلقها وهي طاهر.

فعرفنا بذلك أنه لا يجوز الطلاق في الحيض، ولكن إذا طلق فإنها تحسب عليه طلقة من الثلاث الطلقات التي يملكها، وإذا طلقها وهي حائض فإنه يؤمر أن يستردها، وإذا استردها يؤمر أن يجامعها في الطهر الذي يلي تلك الحيضة، وإذا جامعها وحاضت حيضة بعدها فيؤمر إذا كان راغباً في طلاقها أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الثانية قبل أن يجامعها، فحينئذٍ يكون قد طلقها لعدتها.

والعدة للحائل التي تحيض ثلاثة قروء قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] أي: ثلاث حيض، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة فإنها تحتجب عنه، وتحل لغيره إذا خطبت، وإن خطبها بعد ذلك وتراضيا حلت له، ونكحها على ما بقي له من الطلقات، فهذا هو طلاق السنة.