للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك المحتدة لثياب الزينة والكحل والطيب]

والمحدة مدة إحدادها تمتنع من كل أسباب الزينة، فلا تلبس ثياب الزينة، ولا تلبس الثياب التي تتجمل بها أو تلبسها في الحفلات وعند الزيارات ونحوها.

قوله في حديث أم عطية: (ولا تلبس ثوب عصب) ثياب العصب: ثياب تنسج في اليمن، فيها خطوط مستطيلة ومعترضة، وهذه الخطوط تزيدها جمالاً وتكون لافتة للنظر بلبسها، فلا جرم نهي عن لبس هذه الثياب، ويقاس عليها كل الثياب المخططة التي فيها خطوط إما مستطيلة وإما معترضة وإما بقع للزينة أو نحوها، فتؤمر بأن تلبس الثوب الذي ليس فيه إلا لون واحد سواد كله أو حمرة كله أو صفرة كله أو خضرة أو ما أشبه ذلك.

ولا تلبس الثياب التي فيها شهرة بحيث يلتفت إليها من ينظر إليها، أو تلفت نظره بأنها متجملة وبأنها تريد الخطّاب أو نحو ذلك.

كذلك أيضاً في الحديث الذي بعده أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن تلك المرأة التي مات زوجها، واشتكت عينيها هل تكتحل أم لا تكتحل؟ فقال: (لا تكتحل) مرتين أو ثلاث مرات؛ وذلك لأن الكحل عادة يجمل العينين، ويجمل الحدقتين والأهداب والأجفان، وقد تكحل أيضا حاجبيها فيزيدها جمالاً، فنهيت عن الاكتحال مع أنها قد تحتاج إليه، ولكن يقولون: لا تمتنع من علاج عينها، فإذا رمدت عالجت عينها بإثمد مثلاً أو بمرهم أو بقطرة من القطرات التي تعالج بها العين في الرمد أو ما أشبه ذلك، فهذا مما لا بأس به، وأما الكحل فإنه في الحقيقة يعتبر جمالاً وزينة، ورخص بعضهم فيه إذا احتاجت إليه للضرورة ولم يكن فيه زينة بأن تكحل بالليل وتمسحه في النهار؛ لأن النهار هو الذي يراها فيه الناس غالباً، فتقتصر على وقت الحاجة إذا اضطرت إلى الاكتحال ولم تجد غيره يقوم مقامه، هذا بالنسبة إلى الاكتحال.

كذلك أيضاً تتجنب الطيب سواء كان له رائحة أو له لون، وسواء في بدنها أو في ثيابها، ولا شك أن الطيب يلفت الأنظار.

وفي حديث أم حبيبة لما توفي أبوها أبو سفيان، ومضى عليها ثلاثة أيام دعت بصفرة يعني: طيباً فيه صفرة كالكرمي ونحوه، ومسحت به ذراعيها وقالت: (والله! ما لي بالطيب من حاجة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) .

فتطيبت بعد موت أبيها بثلاثة أيام حتى لا يقال: إنها حادة على أبيها؛ لأن الإحداد لا يكون إلا على الزوج، وطيبها إنما هو بهذه الصفرة التي مسحت بها ذراعيها، فدل على أن الطيب الذي له لون ينافي الإحداد فلا تتطيب بهذا اللون، وبطريق الأولى الطيب الذي له رائحة عبقة، سواء يطيب به الثوب أو يطيب به الشعر أو يطيب به البدن، أو نحو ذلك، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي حادة على زوجها فرآها قد غسلت رأسها بصبر فيه شيء من الرائحة، فسألها فأخبرته فقال: لا تستعملي هذا الصبر فإنه يشب الوجه، فسألته بأي شيء أغسل رأسي فقال: بالسدر، يعني: بورق السدر المسحوق فإنه لا رائحة له، وهو مع ذلك ينظف الشعر، وينظف البشرة، وليس فيه أثر طيب، وإذا احتاجت الحادة في هذه الأزمنة إلى أن تغسل رأسها غسلت رأسها بالسدر إن كان موجوداً أو غسلته بالصابون الذي لا رائحة له، وأما استعمال الصابون الذي فيه طيب كالممسك فلا تستعمله.

وكذلك لا تدهن رأسها بدهان فيه طيب، وإذا احتاجت إلى أن تدهن رأسها دهنته بدهن لا طيب فيه، كدهن زيت الزيتون ونحوه مما ليس فيه رائحة، بخلاف بقية الأدهان التي فيها رائحة عبقة، والحادة مأمورة أن تتجنب ما له رائحة تلفت الأنظار.

وعلى كل حال فالحادة لا تتطيب.

وفي هذا الحديث رخص النبي صلى الله عليه وسلم لها إذا طهرت من الحيض أن تغسل ما أصاب جسدها من دم الحيض، تتخذ نبذة من ظفر أو أقساط تتبع به أثر الدم، والقسط: طيب معروف ولكن ليس له رائحة عبقة، والأظفار: أيضاً نوع من الطيب يوجد عند البقالين، تخلط هذا القسط وهذه الأظفار وتسحقه، وبعد ذلك تضربه بماء وتتبع به أثر الدم على فخذيها أو على ثيابها، فتستعمله بعد طهرها من حيض إن كانت تحيض، فأما في غير الطهر فلا تستعمل القسط ولا غيره من أنواع الطيب.

وكذلك الحادة منهية أن تلبس الحلي؛ لأنه من الزينة فلا تلبسه في رقبتها كالقلادة، ولا تلبسه في أصابعها كالخواتيم، ولا تلبسه في ذراعيها كالأسورة، ولا تلبسه في آذانها كالأقراط، ولا في رجل ساقيها كالخلاخيل، ولا غير ذلك من الألبسة التي يتحلى بها، سواء كانت من الذهب أو من الفضة، ولا شك أن الحلي يلبس للزينة، وتتجمل به المرأة، وتدعو به من يرغب فيها، فإذا لم تتحل فإنه دليل على أنها حادة قد اجتنبت ما يلفت إليها الأنظار، فهذا ما تتركه الحادة.