للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)]

قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، هل لك إبل؟ قال: نعم.

قال: فما ألوانها؟ قال: حمر.

قال: فهل يكون فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إليّ أنه ابنه، انظر إلى شبهه! وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله! ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهاً بيناً بـ عتبة، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة، فلم تره سودة قط) .

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض) ، وفي لفظ: (كان مجزز قائفاً) ] .

الحديث الأول فيه بعض القذف، وهل يكون هذا قذفاً أم لا؟ هذا رجل ولد له غلام، ورأى لونه وبشرته مخالفة لبشرة أبويه وأجداده وإخوته، فشك في نسبته وفي صحة أنه منه، فأراد أن يعرّض بامرأته أنها زنت، وأن هذا الولد ليس مني، كيف يكون مني وهو أسود الجلد مع أن أبويه ليسا كذلك؟! فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السواد ليس دليلاً على أنه من غيرك، وضرب له المثل بالإبل: إذا كان لك إبل، فالإبل عادة يكون أولادها مثلها، فإن كان الأبوان حمراً كان الأولاد كذلك، وإن كانوا سوداً أو بيضاً أو صفراً أو نحو ذلك كان الأولاد كذلك، إلا إذا اجتذبه عرق ولو بعيد، فأخبره بأن له إبلاً وأن ألوانها حمر، وكانوا يغالون في حمر النعم، أي: الحمر من الإبل، فسأله: (هل فيها أورق؟ يعني: أسود- فقال: إن فيها لورقاً) يعني: لمجموعة ورق، أي: سود، قال: من أين جاءت هذه الورق؟ قال: لعله نزعه عرق، فقال: وهذا الولد الأسود يمكن أنه قد نزعه عرق، فلعل أحد أجداده ولو كان بعيداً أو جداته فيه شيء من السواد أو السمرة أو نحوها، فلا تستغرب أن يكون ولدك بهذه الصفة.

ومعلوم أن الأب ينسب إليه أولاده، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان ينسب الأولاد إلى من ولدوا له كما سيأتي، ففي هذا الحديث أن الولد ينسب إلى أبيه، وأنه لا يجوز له أن يتبرأ من ولده الذي ولد من زوجته التي هي فراشه يستمتع بها، ويطؤها حلالاً، وحملت ووضعت وهي تحته فراشاً له، فلا يجوز أن ينفيه، سيما إذا عرفها بالعفة وبالنزاهة وبالبعد عن أن تمكن من نفسها غيره، أو البعد عن أن تتهم بفاحشة؛ لأن ذلك الرجل زكى زوجته، وشهد لها أنها بعيدة عن الشبهات، وبعيدة عن أن تتهم بتهمة سيئة.

ولما كان هو زوجها وكانت هي امرأته وليست متهمة، فإنه ينسب إليه أولادها مهما كانت ألوانهم، ولو كان هو أبيض وهم سود أو هو أحمر وهم بيض أو غير ذلك؛ فأولادها تبع لزوجها، ينسبون إلى زوجها، هذا هو القول الصحيح، ولا عبرة في مغايرة اللون، فالله تعالى هو الذي خلق الإنسان وغيّر ألوان الناس كما في قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم:٢٢] فجعل اختلاف الألسن واختلاف الألوان من آيات الله؛ ليكون ذلك عبرة، فهؤلاء كلهم بنو آدم، وجعل الله منهم الأسود والأحمر والأبيض، وجعل الله منهم القصير والطويل، وجعل الله منهم كامل الخلق وناقص الخلق، والمشلول والمعيب ونحوهم، وكلهم خلق الله تعالى، ومع ذلك فاوت بينهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم:٢٢] .