للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل زيد بن حارثة]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب زيداً، ويقال لـ زيد بن حارثة: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه كان قد اعتقه، وقد ملكته خديجة في الجاهلية، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه، ولما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم صدقه، وكان هو أول من صدق النبي صلى الله عليه وسلم من الموالي، فصار محبوباً عنده صلى الله عليه وسلم، وزوجه بابنة خالته التي هي زينب بنت جحش، ولما أراد أن يطلقها قال له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) ، ثم إن الله تعالى قدر أنه يطلقها حتى ينكحها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] فالله تعالى هو الذي زوجه زينب أي: عقد له عليها وهو ربها، وكانت تفتخر فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.

والحكمة في تزويجه قوله تعالى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:٣٧] ، حيث كان زيد يدعى زيد ابن محمد، فأنزل الله فيه {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:٤] ، وقال تعالى في تحريم زوجة الابن: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:٢٣] حتى لا يدخل فيها المتبنى الذي ليس هو ابناً، وإنما يسمى مولى.

والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبه، وقد تزوج أولاً بـ أم أيمن، وكانت أيضاً مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سوداء، وزيد لونه أبيض أو أحمر، فولدت له أسامة، وكان لون أسامة أسود، فطعن الناس في نسبه وقالوا: كيف يكون الأب أبيض، والولد أسود؟ يمكن أنه ليس منه، يمكن أنه من زنا، فطعنوا في نسبه، ومعروف أنه ينسب إلى أبيه الذي هو صاحب الفراش، ومعروف أن زيداً رضي الله عنه من السابقين الأولين، وأنه لا يمكن أن يتبنى من ليس ابناً له، ومعروف أيضاً أن أم أيمن التي هي أم أسامة من السابقات، ومن المؤمنات، ومن العفيفات، فهي بعيدة عن فعل الفاحشة، ولكن كان لونها أسود فصادف أن الولد صار لونه كلونها، وهو أسامة، وقد رزق أيضاً محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسمى الحب ابن الحب، كان يحبه ويحب أباه، وقال لما أمره على الجيش الذي أراد أن يبعثه إلى الشام وطعنوا في إمارته: (إنه لمن أحب الناس إليّ -يعني: زيداً - وإن هذا -يعني: ولده- لمن أحب الناس إليّ بعده) .

فلما كان يحبهما كان حريصاً على إبطال الشبهة التي يطعن بها فيهما، وفي نسب أسامة، وأنه ليس ابناً لأبيه، فجاء هذا القائف، وبنو مدلج يعرفون بالقيافة، والقيافة هي معرفة الشبه، بحيث إن أحدهم يعرف الإنسان ويعرف ولده ولو لم يكن بينهما تماثل في الألوان، فنظر إليهما مجزز وقد غطيا وجوههما، وغطيا رءوسهما في لحاف، وبدت أقدامهما، هذا أقدامه حمر وهذا أقدامه سود، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، يعني: أن هذا ولد هذا أو جده أو نحوه، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؛ ليكون مبطلاً لقول من طعن في نسب أسامة، حيث إن هذا القائف معروف بالصدق والذكاء وبالقيافة، ومعرفة الشبه، هو وأسرته وقبيلته، وهم في منزلة بني مرة في هذا الزمان الذين يعرفون الشبه ويعرفون الأثر، وكذلك كثير من القبائل الآن معهم قوة في الذكاء ومعرفة الشبه، بحيث يعرفون أن هذا ولد لهذا، ويعرفون أن هذا الأثر لأخوة أو نحو ذلك.