للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حد الأمة المملوكة إذا زنت]

قال الله تعالى في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:٢٥] وفهم الصحابة أنها إذا كانت قد أحصنت فعقوبتها نصف عقوبة المحصنات، وظنوا أن الإحصان هو النكاح، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا رجم على الأمة، ولا رجم على العبد، وما ذاك إلا أنه مملوك لغيره، ولا يزول ملك الغير بسبب ذلك الجاني، فكانت عقوبته الجلد.

وما مقدار عقوبة العبد أو الأمة؟ مقداره: خمسون جلدة، نصف جلد الحر رجلاً كان أو امرأة، فتُجلد الأمة خمسين، ويُجلد العبد خمسين، ولو كان قد تزوج، ولا رجم عليه؛ لأن الرجم لا يمكن أن يتنصف.

ثم في هذا الحديث أنه فوَّض جلدها إلى السيد الذي يملكها، وأمره أن يقيم الحد عليها، فقال: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرِّب -يعني: لا يوبخها، قال:- ثم إن زنت فليجلدها، ثم إن زنت فليجلدها، ثم إن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر) ، يعني: أنها لا خير فيها ما دام أنها تكرر منها الزنا أربع مرات، ولم تتب بهذا الجلد وبهذا الحد.

ولا يجوز إكراهها على الزنا كما قال تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنَاً} [النور:٣٣] .

وبكل حال فهذه الآية تدل على أن الزنا فاحشة محرمة، وأن البغي التي تزني وتمكن من نفسها إذا كانت أمة لا يجوز إمساكها، وإذا كانت زوجةً لا يجوز إبقاؤها، بل يفارقها إذا خاف أن تفسد عليه فراشه، ومعلوم أن هذا كله محافظة على الفُرُش، وأن الرجل تأخذه غَيرة شديدة أن يرى امرأته تفعل الفاحشة، وكذلك يرى أمته أو يرى أحد محارمه يفعل مثل هذه الجريمة.

ولا شك أن هذا يوجب على كل مسلم أن يكون حذراً غيوراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) أي: كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، فالله تعالى يغار، كما أن الإنسان يغار، والإنسان الذي لا يغار إذا زنت امرأته يسمى ديوثاً، وهو الذي يقر الخنا في أهله، فالذي يغار إما أن يقتلها أو يقتل ذلك الذي فعل الجريمة معها، كما رُوي أن سعدا رضي الله عنه قال: (لو وجدتُ مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفِّح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غَيرة سعد! والله لأنا أغير منه، واللهُ أغير مني) ، وسعد بن عبادة من سادات الأنصار من الخزرج، وهذه غيرته.

وذكروا أن رجلاً من الصحابة وجد مع امرأته رجلاً، ولما وجدهما في الفراش سل سيفه وضربهما وهو لا يشعر بما حصل منه ولا يدري، وكانت ضربته قد قطعتهما نصفين، وجاء حتى وقف إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقالوا له: ما فعلت؟ فقال: لا أدري، إلا أني رأيت شيئاً وضربته ولا أدري كيف ضربته، فذهبوا وإذا هو قد قدَّهما نصفين، ولا شك أن ذلك كله من الغَيرة على محارم الله تعالى، والإنسان تحمله هذه الغَيرة على ألَّا يأتي أية فاحشة، ولا أن يقرها في أهله؛ مخافة أن يفسد المجتمع بمثل إقرار وانتشار هذه الفواحش، ومتى أقيمت الحدود على مثل هؤلاء الزناة وقُمعوا واضطُهدوا وأُذلُّوا؛ قلت الفواحش، وذلَّ أهلها، وإذا تُسُوهل بهذه الحدود وتُرك أهلها يفعلون هذه الجرائم خُشي أن يفسد المجتمع وأن تنتشر العقوبات، وأن تنزل الآفات والأمراض والعاهات التي لم تكن في سلف من أسلاف الأمم، كما ورد ذلك في الحديث: (ما ظهر الزنا في قوم حتى أعلنوه إلا ابتلوا بالعقوبات والأمراض التي لم تكن فيمن قبلهم) .