للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حب المشركين لآلهتهم وتعظيمها عبادة لها]

إن كلمة الإله اسم لمن تألهه القلوب وتحبه، ومعلوم أن المشركين يألهون معبوداتهم، سواء المعبودات القديمة كالأصنام المنحوتة على صور المخلوقات كود وسواع إلى آخره، أو الخياليات: كالذين يألهون بعض السادة، أو بعض الأولياء، كالذين يألهون عبد القادر الجيلاني أو أحمد البدوي أو الحسين، أو علياً، أو العيدروس، أو ابن علوان أو نحوهم، فإنهم يألهونهم، بمعنى أن قلوبهم تحبهم، وتقدسهم، وتعظمهم، وتوقرهم، ويكون في قلوبهم لهم قدر، ولهم مكانة، وهذا هو حقيقة التأله.

أما المسلمون الموحدون فإنهم يألهون الله وحده، لا تأله قلوبهم غيره، فلا تحب سواه محبة العبادة، ولا تخاف من غيره، ولا تعظم إلا الله، ولا تخضع وتتواضع إلا له وهكذا.

هذه صفة أولياء الله، فأولياء الله هم الموحودون، هم الذين اتخذوه إلهاً، وصدوا بقلوبهم عما سواه.

ولما كانت كلمة التوحيد تتضمن الإخلاص؛ كانت أول دعوة الرسل، وتقدم في أول الكتاب أن أول ما بعث به الرسل هذه الكلمة، يقول نوح لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩] أي: لا يستحق غيره أن يكون إلهاً، وكذلك قاله هود وصالح وشعيب وبقية الأنبياء الذين ذكر الله أنه أوحى إليهم بذلك، وإذا عرف المسلم معنى هذه الكلمة، صار في حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل.

والمصيبة أن الذين يعبدون الأموات يقولون: لا إله إلا الله، ليلاً ونهاراًً، وسراً وجهاراً، لكن لا يعملون معناها، ولا يعرفون مضمونها، بل يقولونها ويخالفونها؛ لأنهم لم يفهموا معنى الإله، ولو عرفوا أن الإله هو الذي تألهه القلوب، فتحبه وتعظمه؛ لعلموا أنهم قد ألهوا هذه الأموات.

إذا قلنا: معنى (لا إله إلا الله) : لا معبود بحق إلا الله، قلنا لهم: أنتم الآن قد عبدتم غير الله من هؤلاء الأموات، فالعبادة هي التذلل والخضوع، وقد تذللتم وخضعتم لهؤلاء الأموات، فأصبحتم قد دعوتم غير الله، فلا ينفعكم التهليل.

فالحاصل: أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) أو (لا إله غيره) هي التي يجب أن ندعو إليها، وهي التي دعت إليها الرسل ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث أقام عشر سنين بمكة يقول للناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وكانوا يعرفون معناها، ولما قال لعمه أبي طالب: (قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) يعني: أحتج بها عند الله أنك مت على التوحيد، فهم أبو طالب وفهم الحاضرون أنها تتضمن البراءة من كل المألوهات، فذكروه الحجة الشيطانية، وهي: ملة أبيه عبد المطلب، فمات على قوله: هو على ملة عبد المطلب.

ولما قال لهم في مجتمعهم: (قولوا لا إله إلا الله، كلمة تدين لكم بها العرب، وتدفع لكم الجزية بها العجم) قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:٥] ، وقالوا: {أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ُ} [ص:٦] فهذا دليل على أن كل من يألهونه -يعني: يحبونه- فإنه يسمى إلهاً، يعني: يحبونه محبة تعظيم وتوقير واحترام.

وخفي هذا المعنى على القبوريين الذين عظموا القبور، فقيل لهم: تعظيمكم هذا هو التأله شئتم أم أبيتم، فقد اتخذتم الأموات آلهة، وكذلك أفعالكم؛ كحلفكم بالأموات، أو دعائهم أولئك الأموات، كقولكم: يا عيدروس! يا تاج! يا يوسف! وتعلق قلوبكم بهم هو تأله، قد اتخذتموهم آلهة شئتم أم أبيتم، وعبدتموهم وإن لم تسموا ذلك عبادة، فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء، سموا أفعالكم: توسلاً، أو تودداً، أو تبركاً، أو تحبباً، أو استشفاعاً، أو تقرباً، فإن الحقائق لا تتغير بالتسميات.

نحن نحث كل مسلم على أن يعرف معنى لا إله إلا الله، وأنها تدعو إلى أن يكون الله هو الإله المعبود بحق، وأن يعبده حق عبادته، وأن يصد المسلم بقلبه عن عبادة وتعظيم كل ما سواه، فبذلك يكون محققاً لهذا التوحيد، الذي هو توحيد الرسل، والذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم.