للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مناقب عثمان رضي الله عنه]

عثمان أحد الخلفاء الراشدين، وقد امتدت خلافته اثني عشر سنة، واتفق على خلافته الصحابة، ولم يشذ منهم أحد، فصار هو ثالث الخلفاء الراشدين، وله فضائل ومزايا رضي الله عنه، ولو لم يكن منها إلا أنه صهر النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه ابنته الأولى رقية وماتت سنة اثنتين، ثم زوجه ابنته الثانية أم كلثوم وماتت أيضاً في سنة ثمان أو نحوها، وقال: (لو كان لنا ابنة ثالثة لزوجناها عثمان) ؛ ومن ثمّ عرف بذي النورين، أي: ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك مدحه الكلوذاني في عقيدته بقوله: قالوا فثالثهم فقلت مجاوباً من بايع المختار عنه باليد صهر النبي على ابنتيه ومن حوى فضلين فضل تلاوة وتهجد أعني ابن عفان الشهيد ومن دعي في الناس ذو النورين صهر محمد ومن فضائله: أنه الذي جمع القرآن بعدما افترق الناس فيه، وكادوا يقتتلون، فكتب القرآن ونسخه في المصاحف، وأرسلها إلى الناس حتى يقتصروا عليها، فاتفقت الأمة على الاقتصار على هذا المصحف، ويسمى المصحف العثماني، أو الرسم العثماني.

ومن فضائله رضي الله عنه: أنه كان طوال ليله يتهجد ويصلي، حتى ذكروا أنه كان يختم القرآن في كل ليلة في تهجده، وذلك دليل على اهتمامه بالعبادة، يقول بعض الذين مدحوه: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطِّع الليل تسبيحاً وقرآناً يقطِّع الليل يعني: يَقْطع الليل كله في التسبيح وفي القراءة، وعبّر بالتسبيح عن الصلاة.

وكان رضي الله عنه تستحي منه الملائكة كما في الحديث الذي مر بنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرة جالساً في حجرته، وقد أبدى ركبتيه وساقيه، فدخل أبو بكر وهو على تلك الحال، ثم دخل عمر وهو على تلك الحال، فلما دخل عثمان استوى جالساً، وستر ركبتيه وساقيه، فقيل له: لماذا جلست بعدما كنت على تلك الهيئة؟ فقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟) ، قيل: إنه كان حيياً، ولو رأى النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحال لرجع ولم يجلس معه على تلك الهيئة؛ فلأجل ذلك استوى النبي عليه الصلاة والسلام جالساً، ولا شك أنه رضي الله عنه كان من أجلاء الصحابة وسابقيهم، وفي الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرة على جبل أحد، فاهتز الجبل فقال: (اسكن أحد، فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد) ، وكان معه أبو بكر وعمر وعثمان، فجعل أبا بكر صديقاً، وعمر وعثمان شهيدين، وتحقق ذلك، فإن كلاً منهما قتل شهيداً، وهذه شهادة منه صلى الله عليه وسلم لـ عثمان بأنه من الشهداء، ولما قتل مظلوماً قيّض الله له من ينصره، وقد استنبط ابن عباس من قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} [الإسراء:٣٣] فقال: إن عثمان قتل مظلوماً، وإن أولياءه الذين يطالبون بدمه - وهم معاوية ومن معه- منصورون.

وبكل حال فلا مجال للطعن فيه، ومن طعن في خلافته أو في عدالته فقد طعن في الإسلام، وفي حملة الإسلام.