للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل عبد الرحمن بن عوف]

عبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمه صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، وعبد الرحمن أسلم قديماً بدعوة أبي بكر، فإن أبا بكر كان على صلة بكثير ممن أسلم، فكلمهم وبين لهم الآيات والمعجزات التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فبادروا إلى الإسلام، وكان اسمه عبد عمرو ثم لما أسلم سمى نفسه: عبد الرحمن، فكان بعض قريش يدعونه: يا عبد عمرو فلا يجيبهم، فإذا دُعي بـ عبد الرحمن أجاب مَن دعاه.

وقد تقدم أنه من الذين جعلهم عمر من أهل الشورى، وأخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عنهم راضٍ، وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، فهؤلاء الستة جعل عمر الأمرَ شورى فيهم، وهو من الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة في هذه الأحاديث التي عدَّ فيها عشرة بأنهم من أهل الجنة.

ومن فضله: أنه من ضمن الذين كانوا على جبل أحد لما ارتجف وتحرك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن! فما عليك إلا نبي أو صدِّيق أو شهيد) فهو من الشهداء، والشهيد ليس خاصاً بمن قتل في سبيل الله، فقد قال الله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:٦٩] ، وقد قيل: إن المراد شهداء هذه الأمة، وقد ذكر الله أن كل من آمن بالله ورسوله فإنه من الشهداء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:١٩] .

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال سعد: هلمَّ أقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى زوجتَيَّ، فقال: بارك الله لك في مالك وفي زوجتك.

ثم قال: دلوني على السوق، فدُلَّ على السوق، فصار يتجر، حتى صار ذا مال، وكان من أثرياء الصحابة وأغنيائهم، قدمت عيرٌ له إلى المدينة، والناس في حاجة، فجاء إليه التجار فرغَّبوه بأن يبيعهم، وأعطوه فائدة في المائة -مثلاً- خمسةً أو ستةً؛ ولكن قال: قد أعطيت فيها في المائة ألفاً! فتصدَّق بها وقال: إن الله قد أخبر بأنه يضاعفها أضعافاً كثيرة في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:١١] فتصدق بها كلها، وكان رضي الله عنه إذا أتي بالطعام الشهي بكى حتى يتركه؛ إذا تذكر حالة الصحابة الذين كانوا في جهد جهيد.

وبكل حال فهو من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم، مات سنة اثنين وثلاثين، في السنة التي مات فيها العباس رضي الله عنه.