للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباطنية هم ورثة ابن سبأ]

توجد فرقة يقال لهم: الباطنية، ويسمون أيضاً: القرامطة، ولهم ثمانية أسماء مذكورة في بعض الكتب، وقد تكلم عليها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس وغيره، وأشهرها الباطنية؛ لأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون، يقول العلماء في وصفهم: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض، والحقيقة أنهم لا دين لهم، دخلوا في الإسلام تستراً، وحيلتهم أن يفسدوا عقائد الناس، وقد ذكر الشارح مبدأهم، وأنهم قاموا على هذه العقيدة الفاسدة، وعقيدتهم لا نتطرق لها، فهي طويلة يكثر الكلام فيها، وقد ذكر الشارح فعلهم الذي يقتنصون به الناس، ويصطادون به الجهلة، وقد ظهروا في آخر القرن الثالث، ولما تمكنوا رأوا أن أهل العراق وأهل خراسان -إيران وما اتصل بها- قد تمكن فيهم حب أهل البيت، فقالوا: نقتنصهم بهذه الحيلة، فندعوهم إلى حب أهل البيت، وكان ذلك بعد موت الحسن العسكري الذي هو آخر أئمتهم الأحياء، وهو الذي يدعون أن ولده محمد بن الحسن دخل السرداب، فصاروا يقولون: نحن نذر بين يدي المهدي، والمهدي سيخرج قريباً، فبايعونا على ما نحن عليه، وكان من أشهر رؤسائهم وقادتهم رجل يقال له: ابن بيطان وكان من دعاتهم، وكان منزله في المنطقة الشرقية في القطيف، فالقطيف معدن كفر منذ القدم، فاجتمع عليه خلق كثير، وذكروا أنه خرج مرة من العراق متوجهاً إلى القطيف، وفي أثناء الطريق رأى رجلاً يسوق له حمراً، فقال له: إنني أدعو إلى نصرة المهدي، وأدعو إلى أمر، يكون فيه النصر، وكان ذلك الرجل جاهلاً وهو حمدان قرمط، فانخدع بـ ابن بيطان، وقال: أنا أتقبل منك، وأنا الذي أنصرك، وأنا الذي أواليك، فأفش إلي كل ما تريد، فصار حمدان هذا من أنصاره، وكثر أتباعه، وصارت النسبة إليه أكثر، حتى سموا قرامطة نسبة إلى حمدان هذا، فكثروا وتمكنوا، واستولوا على هذه المنطقة الشرقية، حتى أن الخليفة العباسي أرسل إلى أميرهم يخوفه ويقول له: لا تخرج عن الطاعة، فقال: إن عندي أكثر من مائة ألف يفدوني بأنفسهم، لو أمرت أحدهم بقتل نفسه لم يعصني، ثم قال لأحدهم: قم فألق نفسك من هذا الجدار الرفيع، فقام ذلك المسكين وألقى نفسه على أم رأسه، فسقط على البلاط فمات، فقال: عندي مائة ألف كلهم يفدوني كما فداني هذا، وكلهم في طاعتي، أتظن أني أخافك يا خليفة العباسيين؟! وقويت شوكته، وعظم أمره.

ومن أخبار هؤلاء القرامطة الباطنية حادثتهم الشنيعة، التي هي أشنع الأمور، وهي قتلهم الحجاج في الحرم المكي سنة ثلاثمائة وسبعة عشر، كان الحجاج محرمين في يوم التروية يطوفون فلم يشعروا إلا وقد سلّ ذلك القرمطي وأصحابه سيوفهم عليهم، وأخذوا يقتلون الحجاج قتلاً ذريعاً، فجعل الحجاج يلوذون بالكعبة، ويتعلقون بأستارها، وجعل يقتلهم، ولا يبالي بهم، حتى قتل من شاء منهم، وقذفهم في بئر زمزم حتى امتلأت من القتلى، وامتلأت الساحة من القتلى، وكان من أمره أن خلع كسوة البيت، وفرقها بين أصحابه، وأصعد رجلاً ليقلع ميزاب الكعبة، ولكن ذلك الرجل الذي صعد ليقلعها سقط على أم رأسه فمات إلى النار، فخاف الملعون أن تكون هناك عقوبة، ولكنه قلع الحجر الأسود، وخرج هارباً بمن معه ومعه الحجر الأسود، بعد أن فشا القتل في الحجاج، وبقي الحجر عندهم اثنين وعشرين سنة، إلى أن رد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بعد أن ضعفت شوكتهم وهددوا.