للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منزلة أولياء الله]

ذهب بعض المبتدعة إلى أن الأولياء أفضل من الأنبياء، سبحانك هذا بهتان عظيم، فالأولياء بم صاروا أولياء؟ ومتى نزل عليهم الوحي؟ الأولياء تولاهم الله وصاروا أولياءه عندما اتبعوا رسله، وأطاعوهم واتبعوا شريعته؛ فبذلك أصبحوا من أوليائه، فتولاهم الله، وتولى توفيقهم وحفظهم، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:٢٥٧] وليهم أي: حافظهم، وهو الرقيب عليهم، وهو الموفق لهم، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:٢٢] حزب الله هم جنده، وهم عباده الصالحون، وهم الذين يحبهم ويحبونه، الذين شهد لهم بولايته، واتباعهم لأمره، وتقبل شرعه، وعلى هذا فالناس قسمان: ولي لله، وعدو لله، لا يخرج الإنسان من هذين القسمين، ومن تولاه الله حفظه، ومن عادى ربه خلى بينه وبين أعدائه، فصار ولياً للشياطين تستهويه وتستحوذ عليه، وتغريه وتؤزه إلى الشر أزاً {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:٨٣] فمن لم يكن ولياً لله فهو ولي للشيطان، وعلى هذا المنوال وضع شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه المشهور الذي طبع عدة مرار واسمه: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وجعل هذا الكتاب في بيان أولياء الله وعلامتهم، وأولياء الشيطان وعلامتهم، وبيّن أن كل من آمن بالله واتقاه حق تقواه، وحقق الإيمان به، فهو ولي لله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٦] ، والله تعالى ذكر أن أولياءه هم المؤمنون المتقون، وذكر ثوابهم.

فقال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢-٦٣] ، لا تفسر ولاية الله إلا بما فسرها به الله سبحانه، فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، فكل من حقق الإيمان بالغيب من الإيمان بالله والإيمان بالبعث والإيمان بالحساب والجزاء والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به، وكذلك ظهرت عليه آثار هذا الإيمان من العمل والاستعداد، وكذلك حقق تقوى الله ومخافته ورجاءه، وعمل بطاعته؛ فإنه من أولياء الله، وأما من خالف ذلك ولم يطع أمر الله بل خالفه، وعاند وعصى، وطغى وبغى؛ فإنه من أولياء الشيطان.

إذاً: أولياء الله هم كل المؤمنين، وكل المتقين، فكلهم أولياء لله، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي ولاية الله: (يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ، فجعل ولي الله تعالى هو الذي يواليه ويتولاه، ومن عاداه فإنه حرب لله، وأي شخص يقوى على محاربة الله؟! وصريح الحديث: أن أولياء الله يتولاهم ربهم وينصرهم ويعزهم ويحميهم على من خالفهم، وعلى من خرج عليهم، وكذلك في القرآن: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:٥٥] ، وإذا كان الله ولينا فإننا أولياء الله، وإذا كان الرسول ولينا فنحن نتولاه، وإذا كان المؤمنون أولياء بعضهم من بعض فإنهم أولياء الله، وقد ذكر الله تعالى ولاية المؤمنين بعضهم لبعض فقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض} [التوبة:٧١] يعني: ينصر بعضهم بعضاً، ويؤيد بعضهم بعضاً، ويحمي بعضهم بعضاً، ويتناصرون فيما بينهم؛ وذلك لأنهم جميعاً أولياء الله، فكل منهم يتولى الآخر وينصره، ويحرصون على اكتساب ولاية الله بهذه الأمور التي هي ولاية من تولاه الله، ومحبته ونصرته، والقرب منه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما في الأثر المشهور: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك.

من أراد أن ينال ولاية الله وأن يكون من أولياء الله؛ فليحب أولياء الله وليوالهم وليقرب منهم، وليعاد أعداء الله وليقاطعهم وليبتعد عنهم، وبذلك ينال العبد ولاية الله له، ويكون من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.