للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة ابن عربي الصوفي]

قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [وقال ابن عربي أيضاً في فصوصه: (ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة، فكان هو صلى الله عليه وسلم موضع اللبنة، وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤية، فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين، ويرى نفسه تنطبع في موضع كلتا اللبنتين فيكمل الحائط؛ والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين: أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في الشرع ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه؛ فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه إلى الرسول.

قال: فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع) فمن أكفر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب، وللرسول المثل بلبنة فضة، فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسول؟! {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:١١١] ، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:٥٦] ، وكيف يخفى كفر من هذا كلامه؟! وله من الكلام أمثال هذا، وفيه ما يخفى من الكفر، ومنه ما يظهر، فلهذا يحتاج إلى ناقد جيد ليظهر زيفه، فإن من الزغل ما يظهر لكل ناقد، ومنه ما لا يظهر إلا للناقد الحاذق البصير.

وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام:١٢٤] ، ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة، اتحادية في الدرك الأسفل من النار، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين؛ لإظهارهم الإسلام كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبطنون الكفر، وهو يعاملهم معاملة المسلمين؛ لما يظهر منهم، فلو أنه ظهر من أحد منهم ما يبطنه من الكفر لأجرى عليه حكم المرتد، ولكن في قبول توبته خلاف، والصحيح عدم قبولها، وهي رواية معلى عن أبي حنيفة رضي الله عنه، والله المستعان] .

ابن عربي هذا اتحادي، وقد نقل عن الاتحاديين أقوال بشعة، وأشهرهم ومن أوائلهم: الحسين الحلاج، وقد أشرنا فيما سبق إلى شيء من الكلام حوله، وهو الذي أفتى أهل زمانه بقتله، فقتل بإجماع علماء زمانه من أهل السنة، حيث نقل عنه أقوال تدل على كفره، ثم ورثه أو قال بمقالته ابن عربي، ولكن ابن عربي كان يتستر في نفسه مخافة أن يقتل كما قتل الحلاج، فهو يظهر أنه من أهل السنة، ولكن عندما يتأمل كلامه يتضح أنه من أهل الاتحاد، فلذلك يعامل معاملة المنافقين، وله كتاب مطبوع اسمه: فصوص الحكم، ظاهره أنه حكم وكلام جيد، ولكن عندما يتأملها ذو العقل وذو الفكر يعرف في أثناء كلامه ميله إلى الاتحاد، وإلى القول بوحدة الوجود، وإن لم يكن كلاماً صريحاً، وله قصيدة تائية مشهورة، يظهر منها القول بالوحدة، فمن ذلك قوله فيها يخاطب محبوبته: له صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد عنها أنها هي صلتِ وهذه عقيدة أهل الوحدة، يقولون: إن كل شخص هو عابد ومعبود، يقول: فأنا أصلي لها وهي تصلي لي، وذلك أن في نظره أن الخالق متحد بالمخلوق، تعالى الله عن قولهم! وإذا كان هذا من المنافقين فإن أقوالهم أقوال باطلة، انظروا إلى مقالته التي يقول فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم مثّل الأنبياء بالبيت الذي أحكم بناؤه إلا موضع لبنة، يقول عليه السلام: (فكان الناس يدخلون ويقولون: ما أحسنه، لولا موضع هذه اللبنة، يقول: فأنا تلك اللبنة) يعني: أنه خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وابن العربي يقول: إن هذا البيت بقي فيه موضع لبنتين: لبنة من فضة وهي ظاهر الشرع، ويراد بها محمد، ولبنة من ذهب وهي باطن الأمر وهي خاتم الأولياء، ويرى نفسه أنه هو اللبنة من الذهب، فجعل نفسه لبنة ذهب، وجعل الرسول لبنة فضة، هذا معتقده، ويقول: إن الولاية لها خاتم كما أن النبوة لها خاتم.

فكأنه يقول بلسان الحال أو المقال: أنا خاتم الأولياء ومحمد خاتم الأنبياء، ويجعل نفسه أفضل؛ لأنه يجعل نفسه باطن الأمر وسرّه، والرسول ظاهره وعلنه، هذا هو معتقدهم، وعلى هذا ماذا نقول في ابن عربي وأمثاله كـ ابن سبعين وابن الفارض والحلاج الاتحاديين وأشباههم؟ نقول فيهم: إنهم يتسترون بأنهم مسلمون، ويقولون كلمات فيها شيء من الحِكم، وفيها شيء من العلم المحكم، ويعجب الناس من كلماتهم، وتعجبهم صياغتها، ويعتقدون أنهم أولياء لله، ويعتقدون علمهم وفضلهم وأقدميتهم؛ فلأجل ذلك يصبحون مقدسين محبوبين عند العامة والخاصة، ولم يتفطنوا بأسرارهم، ولم ينظروا في دواخل أمرهم، ولم يتأملوا فيما يستنبط من كلامهم السيئ، ولو تأملوه وتعقلوه لعرفوا أنهم منافقون، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، وهذا هو شأن المنافقين، فإن المنافقين يظهرون أنهم مسلمون كما قال الله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:١٤] ، وهؤلاء إذا خلا بعضهم إلى بعض فإنهم يبدون لأوليائهم ما كان لديهم من العلوم، ولكن إذا لقوا عامة الناس أخذوا يمدحون الإسلام، وأخذوا يمدحون أنفسهم بالاتباع ونحو ذلك، إذاً: فهم منافقون.

المنافقون في العهد النبوي لما أظهروا الإسلام وأخفوا الكفر، ولم يطلع الرسول ولم يطلع المسلمون على شيء من أسرارهم، عاملوهم معاملة المسلمين، فكانوا يأخذون منهم الصدقات والزكوات ونحوها مع أنهم كفار، وكانوا يصلون على من مات منهم إذا لم يظهر لهم نفاقه، ولم يقاتلوهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخشى أن يقال: إن محمداً يقتل أصحابه!) ، وكانوا أيضاً يغزون مع المسلمين، وإن لم يكونوا يريدون بذلك الأجر، بل كما أخبر الله عنهم في قوله: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة:٤٧] ، وفي قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب:٦١] ، وسماهم الله المرجفين فقال: {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب:٦٠] ، ومع هذه كله لم يقتلهم، بل أجرى أمرهم على الظاهر، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وقبل كلامهم لما حلفوا، وأخبر الله أن حلفهم كذب في قوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة:٩٦] {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التوبة:٦٢] {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} [التوبة:٩٥] ، ومع ذلك لم يقاتلوهم بناءً على ما ظهر، فهكذا يقال في هؤلاء المنافقين من أهل الاتحاد، الذين يدعون أن الخالق عين المخلوق، تعالى الله عن قولهم.

لا شك أن لهم أقوالاً بشعة، لا يجرؤ أحدنا أن يحكي أقوالهم، يقول بعض العلماء: إنا لنستطيع أن نحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نتجرأ أن نحكي أقوال هؤلاء؛ لبشاعتها، وقد رد عليهم العلماء.