للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[براءة أهل السنة من السحرة والكهنة]

أهل السنة بريئون من السحرة والكهنة والمنجمين، وبريئون من أفعالهم؛ وذلك لأنهم يحكمون عليهم بالحكم الشرعي، وهو: الشرك والكفر، وقد كفرهم الله تعالى بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:١٠٢] ، وبقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] ، (من اشتراه) يعني: من تعلم السحر، وبذل فيه دينه أو بذل فيه عقيدته، فليس له عند الله من خلاق أي: من حظ ولا نصيب.

ولأجل ذلك وردت السنة بقتل السحرة والكهنة ونحوهم، ورد في الأثر: (حد الساحر ضربه بالسيف) ، ومجموعة من الصحابة قتلوا الساحر، فـ عمر كتب إلى بجالة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وجندب الخير قتل الساحر، وحفصة بنت عمر أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقُتلت؛ وذلك لأن هؤلاء اعتبروا السحر كفراً، واعتبروه ردةً، واعتبروه شركاً.

وقد استدل بهذا على أن عمل السحر كفر وردة، وأنه يقتل ولا تقبل له توبة في الدنيا، بمعنى أنه يحكم بقتله ولو قال: إني تبت، وإني ندمت، وإني سأترك العمل؛ لأن ذلك ليس بيقين حتى يصدق في قوله، فيقتل حداً؛ لعموم الأثر: (حد الساحر ضربه بالسيف) ، والحد هو العقوبة الشرعية التي لا تغير ولا تسقط بالتوبة، فإن الزاني لا تسقط عنه عقوبة الرجم أو الجلد ولو قال: إني تبت، وكذلك السارق تقطع يده ولو قال: إني تبت الآن، وكذلك بقية الحدود، وهكذا حد الساحر، وكذلك الكاهن الذي يخبر بالمغيبات، أو يخبر بما في الضمير، أو يدعي معرفة العلوم المغيبة بمقدمات يستدل بها على مكان الضالة وعلى المسروق، فيأتيه من فقد ضالة له فيقول: تجده في الشعب الفلاني، في المكان الفلاني، فيخبره شيطانه، وكذلك يأتيه من سرق منه مال، فيصف له السارق، ويقول: مالك في المكان الفلاني، وقد سرقه شخص صفته كذا وكذا، تخبره شياطينه بذلك.

فهؤلاء كفرة، وقد كفر النبي صلى الله عليه وسلم من يصدقهم، فهم أولى بالتكفير، قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ، وقد عرفنا أن هؤلاء كفرة؛ وذلك لأنهم مشركون؛ لأنا نعرف أنهم بشر مثلنا، ولا يمكن أن يعلموا الغيب، ولا يمكن أن يطلعوا على الأسرار كما لا نعرفها نحن، فلا بد أنهم يستخدمون الشياطين حتى تخبرهم بما غاب عنهم، فالشياطين تطلع على ما لا يطلع عليه الإنسان، وكذلك مردة الجن يطلعون لخفة أجسامهم على أشياء لا يعرفها الإنسان، فيقطعون المسافات الطويلة في زمن قصير لخفة أجسادهم، وكذلك يرون أشياء لا نراها، ونحن لا نراهم وهم يروننا، قال تعالى في الشيطان وجنده: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:٢٧] ، وهم لخفتهم يجري أحدهم في بدن الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) أي: يجري في جسده، ويجري خلال لحمه ودمه، يجري مع عروقه، ويمشي في عروقه، ويسير فيه، وهذا هو سبب أنه يوسوس في صدور الناس، ويلقي في القلوب الوساوس للإنسان فيقول له: اذكر كذا، ويشككه في أمور الغيب، وفي أمور الساعة، وما أشبه ذلك.

فهؤلاء لما أطاعوا الشياطين وخدموها وعبدوها خدمتهم، فمن خدمها خدمته، ومعلوم أن الشياطين تحرص على إضلال الإنسان، وتحرص على أن توقعه في الكفر؛ لأن الشيطان عدو للإنسان، وقد أخبر الله عن إبليس أنه التزم أن يضل الناس، وأن يصدهم عن الهدى، قال الله تعالى عن إبليس: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٦٢] ، ويقول: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:١٧] .

فهذا التزام عدو الله، فأخبر الله عنه بأنه التزم وتهدد بأن يضل جنس الإنسان، حتى لا يبقى أكثرهم شاكراً بل كافراً، وهؤلاء الكهنة والسحرة ونحوهم لما عبدوا هذا الشيطان، وتقربوا إليه، وذبحوا له، ودعوه مع الله أو من دون الله، عند ذلك أطاعهم عدو الله، وأظهر لهم ما لم يظهره لغيرهم، فانخدع الجهلة بهم، واعتقدوا أنهم مكرمون، واعتقدوا أنهم على صواب، وأن هذه ميزة لهم، وخارق عادة، وأنهم أفضل من غيرهم، حيث يخبرون بأمور لم تحصل فتقع، ويخبرون عن أشياء بعيدة فتعرف حالتها وأين هي، وأشباه ذلك، وما علموا أن هذا من الشياطين، وأن الشياطين لا تطيعهم إلا إذا صرفوا لها حق الله تعالى، ومن صرف لها شيئاً من حق الله فقد عبدها مع الله تعالى.