للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع السحرة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع: نوع منهم: أهل تلبيس وكذب وخداع، الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له، أو يدعي الحال من أهل المحال، من المشايخ النصابين، والفقراء الكاذبين، والطرقية المكارين، فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل، كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة، ونحو ذلك.

ونوع: يتكلم في هذه الأمور على سبيل الجد والحقيقة بأنواع السحر.

وجمهور العلماء يوجبون قتل الساحر، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه، وهذا هو المأثور عن الصحابة كـ عمر وابنه وعثمان وغيرهم.

ثم اختلف هؤلاء: هل يستتاب أم لا؟ وهل يكفر بالسحر أو يقتل لسعيه في الأرض بالفساد؟ وقال طائفة: إن قتل بالسحر يُقتل، وإلا عُوقب بدون القتل إذا لم يكن في قوله وعمله كفر، وهذا هو المنقول عن الشافعي، وهو قول في مذهب أحمد.

وقد تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه: والأكثرون يقولون: إنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه.

وزعم بعضهم أنه مجرد تخييل.

واتفقوا كلهم على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة، أو غيرها، أو خطابها، أو السجود لها، والتقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور ونحو ذلك فإنه كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك؛ فيجب غلقه، بل سده، وهو من جنس فعل قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال ما حكى الله عنه بقوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٨-٨٩] ، وقال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام:٧٦] الآيات إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] .

واتفقوا كلهم أيضاً على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر لا يجوز التكلم به، وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به؛ لإمكان أن يكون فيه شرك لا يعرف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) .

ولا يجوز الاستعاذة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك فقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦] قالوا: كان الإنسي إذا نزل بالوادي يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) يعني: الإنس للجن باستعاذتهم بهم، (رهقاً) أي: إثماً وطغياناً وجراءة وشراً؛ وذلك أنهم قالوا: قد سدنا الجن والإنس! فالجن تعاظم في أنفسها وتزداد كفراً إذا عاملتها الإنس بهذه المعاملة، وقد قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤٠-٤١] ، فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يدعون الملائكة ويخاطبونهم بهذه العزائم وأنها تنزل عليهم ضالون، وإنما تنزّل عليهم الشياطين، وقد قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٢٨] ، فاستمتاع الإنسي بالجني: في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات ونحو ذلك، واستمتاع الجن بالإنس: تعظيمه إياه، واستعانته به، واستغاثته، وخضوعه له.

ونوع منهم: يتكلم بالأحوال الشيطانية والكشوف، ومخاطبة رجال الغيب، وأن لهم خوارق تقتضي أنهم أولياء الله، وكان من هؤلاء من يعين المشركين على المسلمين! ويقول: إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين؛ لكون المسلمين قد عصوا!! وهؤلاء في الحقيقة إخوان المشركين] .