للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب انتشار السحرة والكهان والمشعوذين]

إن السحرة والكهنة والمشعوذين والمنجمين والعرافين هم خدمة الشياطين، أو هم رسل الشياطين، أو هم من شياطين الإنس الذين يخدمون شياطين الجن، وهؤلاء -مع الأسف- قد كثروا وتمكنوا، وبالأخص في الأزمنة المتأخرة؛ وكثرتهم سببها: ضعف الدين في القلوب، وضعف الإسلام والعاملين به في المجتمعات؛ وذلك أنهم كلما قوي المسلمون وكلما قويت العقيدة ضعفوا وضعف وجودهم، أو انقطعوا، أو كادوا أن ينقطعوا.

ولقد كانوا قبل الإسلام موجودين بكثرة، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حُرست السماء، وحيل بين الشياطين وبين الاستراق؛ حتى ينقطع وحي الشياطين، وحتى ينقطع ما تسمعه الكهنة من أوليائها، وحتى لا يلتبس الحق بالباطل، ويلتبس وحي الرحمن بوحي الشيطان، وفي بعض الأحاديث: أن بعض الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فرمي بكوكب -وهو الشهاب الذي يُرمى به- فسألهم صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هذا النجم الذي رمي به؟) ، فلم يقولوا شيئاً، فأخبرهم: بأن الشياطين كانت تسترق السمع، وتنزل إلى الكهنة بما تأخذه من الملائكة، فتخبرهم بأن الملائكة تحدثت بكذا، وأنه سيحدث كذا وكذا، ولما أنزل الله وحيه على النبي صلى الله عليه وسلم كثرت حراسة السماء، ورجمت الشياطين، واشتكوا إلى رئيسهم الذي هو إبليس، وقالوا: منعنا من السماء، ومنعنا من استراق السمع، فأرسل من يسأل ويستفصل: ما السبب؟ إذ لابد أن يكون هناك سبب، ثم إنهم وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فاستمعوا إليه، ورجعوا إلى قومهم، وقالوا: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:٨-١٠] ، ورجع الذين استمعوا القرآن إلى أوليائهم وقالوا: عرفنا السبب الذي لأجله حرست منا السماء، وهو بعث هذا النبي، فآمنوا به كما حكى الله عنهم قولهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الجن:١٣] .

وبكل حال في ذلك الوقت حرست السماء حراسة شديدة؛ لقوة الإسلام، ولحماية الوحي من السماء، ولما ضعف العمل بالشريعة، وضعف التمسك بها؛ قوي وجود الكهنة، وقوي استراق الشياطين والجن للسمع، ونزولهم إلى أوليائهم من الكهنة والسحرة، فكثروا حينئذٍ، وصار الناس يشجعونهم، حيث يأتون إليهم، ويقولون: أخبرنا بكذا وكذا، فإذا أخبرهم بما توحيه إليه الشياطين قدسوه وعظموه، وقالوا: هذا هو الذي يعرف، وهذا هو العارف، وهذا هو العرّاف، ولا يزال الناس يترددون إليه، وما ذاك إلا لضعف الإسلام، وقد مر بنا الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ، ولو كان ذلك الكاهن يخبر بأشياء مثل أن يخبر بمكان الضالة، ويخبر بمكان المسروق، أو بعين السارق، أو ما أشبه ذلك، فنقول: هذا مما يستوحيه من شياطينه، والواجب على الإنسان أن يلجأ إلى الله، وألا يصدق هؤلاء الكهنة.

والسحرة أيضاً قد تمكنوا، وقد كثروا مع الأسف، وأضروا بكثير من الناس، وكثر الذين يشتكون، وكثر الذين يقول أحدهم: إنه أصيب بكذا، أو أصيبت ابنته بكذا، بصرف أو بعطف، أو ببغض لبيتها أو ببغض لزوجها أو لأهلها، أو أصيب الرجل بضيق كلما دخل إلى بيته؛ بحيث إنه يصير محشرجاً، ويصير كأنه في سجن حتى يفارق بيته، أو حيل بينه وبين امرأته؛ بحيث إنه لا يقدر على إتيانها أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي يكثر الشكاة لها، ما أكثر الذين يشتكون أنه أصيب أحدهم بكذا وكذا، وأنه أصيب بهذا الصرف، وأصيب بهذه المصائب التي لا شك أنها من عمل الشياطين، ونقول: ما السبب في كثرة هذه المصائب؟ وما السبب في إصابة هؤلاء بهذه الأمور؟ لا شك أن السبب هو: ضعف الإيمان، فمتى كنت مؤمناً، ومتى كنت مسلماً متمسكاً بإسلامك فثق بأن الله يحرسك، وأنه يحميك من كيد هؤلاء السحرة ومن ضربهم.

وما يصاب غالباً بهذه الأمور الشيطانية إلا ضعاف الإيمان، نشاهد أن أكثر الذين يشتكون إما من جن أصابه أو أصاب ابنته، وإما من صرف، وإما من سحر أو نحو ذلك هم من العصاة والفسقة، وإما من الجهلة، وإما من العامة الذين لا يتحصنون، أما أهل التحصن فإن الله يحميهم بما يتحصنون به.