للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب اختلاف التضاد في الأمة]

تطرق الطحاوي رحمه الله إلى أن دين الإسلام جاء بالاجتماع، وحث على لزوم جماعة المسلمين، ونهى عن التفرق والاختلاف.

وتوسع الشارح رحمه الله في بيان أسباب الاختلاف، وبين أنواعه، وذكر أن الاختلاف: - اختلاف تنوع.

- واختلاف تضاد.

وأن اختلاف التنوع لا يُضلل به؛ وذلك لأنه يثبت عن اجتهاد، كاختلاف الصحابة في تفسير بعض الآيات، وكذا المفسرون بعدهم اختلفوا في بعض معاني الآيات، وإن كان المعنى واحداً.

ففسروا مثلاً (الصراط المستقيم) أنه الإسلام، وفسره بعضهم بأنه الرسول، ولا فرق فالمعنى واحد.

وكذلك اختلافهم في معاني كثير من الأحاديث التي يدخل فيها الاجتهاد.

أما اختلاف التضاد فلا شك أنه يُضلل به، وهو الذي يحدث عن هوى، ويكون سبب الاختلاف اتباع الأهواء، وذلك لأن المبتدع متى هوي نحلة ومال إليها فإنه يصر على تلك النحلة ويخالف الأدلة.

وهذا ما يسببه اتباع الهوى، وقد ورد في الأثر: (أن الهوى يُعمي ويُصم) .

كذلك أيضاً من أسباب اختلاف التضاد: تقليد الآباء، وذلك لأن كثيراً من الناس قد يتضح له الحق، ويعرف القول الصحيح، ثم يخالفه، لماذا؟ لأن آباءه وأسلافه ليسوا على هذا المسلك، وإذا خالفه أحد منهم هجروه وقالوا: تترك معتقد آبائك وأسلافك؟! وهذه سنة المشركين، ذكر الله أنهم يعرفون الحق ثم يخالفونه، ويعرفون أن الباطل باطل ويرتكبونه، لماذا؟ {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات:٦٩-٧٠] .

يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣] .

وكذلك بقية المبتدعة: يتمسكون بمذاهب آبائهم وأسلافهم ولو تبين لهم الحق.

فمثلاً: الرافضة كانوا قديماً لا يقرءون كتب السنة، وذلك لأنها لم تنتشر ولم تشتهر، وإنما يقرءون الكتب التي يكتبها أئمتهم، فكثير من عوامهم ممن يريد الحق لم يعرفه، ولم يصل إليه ما يبين الطريق الحق، فبقوا على ضلالهم؛ ولكن في هذه الأزمنة طُبعت الكتب، وانتشرت كتب الصحيح، وكتب السنن، وكتب المسانيد، وكتب السنة، ومن أرادها من الشيعة أو غيرهم قدر عليها، وتحصل عليها وعرف الحق.

فبعض الشباب من الرافضة تبين لهم طريق الحق فاهتدى منهم أفراد؛ ولكن لما اهتدوا وخالفوا طرق الرافضة ماذا فعل أهلوهم؟ هجروهم وقالوا: أتتركون سنة آبائكم؟! أتتركون عقيدة أسلافكم؟! فضايقوهم وأضروهم، أحدهم يحكي لنا أنه لما اهتدى تمسكت زوجته بمذهبها وقالت: لا يمكن أن تكون أهدى من أبي ومن أبيك ومن أسلافنا! وبقيت على طريقة آبائها، هو قرأ وعرف فسلك طريق الحق، وأما زوجته وأهله فإنهم مقتوه وطردوه.

وهكذا شابة أيضاً في الدمام أو في القطيف لما درست وسمعت الأخبار، وقرأت الكتب والنشرات، وأصغت إلى الإذاعة وما يُنشر فيها، واقتنت شيئاً من الكتب، واحتكت بأهل السنة؛ عرفت أن طريقة الشيعة باطلة وبعيدة من الصواب، فتلقت الحق واهتدت وتمسكت به، فماذا لقيت من الأذى؟! وماذا لقيت من الضرر؟! حبس وضرب! وطرد وإبعاد! ولكنها صبرت على ذلك كله.

نقول: لا شك أن الذين يقلدون الآباء والأجداد وهم على ضلال ضالون، والعاقل يختار الحق، يختار الصواب، ولو خالفه من خالفه، وذلك لأنه لا يهمه إلا نفسه، في الدار الآخرة يتبرأ منه أهله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:٣٤-٣٥] يفرون منه، ولا يتقبلون منه ولا يقبل منهم، ولا ينفع بعضهم بعضاً.

فإذاً: كيف يقدم أحدهم الباطل تقليداً للآباء والأجداد؟! والحاصل: أن من أسباب هذا الاختلاف: اتباع الهوى، ومن أسبابه: تقليد الآباء والأجداد والأسلاف، وهذا يؤدي إلى أنه قد يعرف الإنسان الحق ويتمسك بالباطل، الله تعالى يقول: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون:٧١] ، فإذا كان الحق واضحاً فالحق أحق أن يُتبع.