للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عجز البشر عن معرفة كنه صفات الله وكنه ذاته سبحانه]

قال المؤلف رحمه الله: [قوله: (لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام) .

قال الله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠] ، قال في الصحاح: توهمت الشيء: ظننته، وفهمت الشيء: علمته.

فمراد الشيخ رحمه الله أنه لا ينتهي إليه وهم ولا يحيط به علم، قيل: الوهم ما يرجى كونه، أي: يظن أنه على صفة كذا، والفهم: هو ما يحصله العقل ويحيط به، والله تعالى لا يَعْلَمْ كيف هو إلا هو سبحانه وتعالى، وإنما نعرفه سبحانه بصفاته، وهو أنه أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواًَ أحد، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٥٥] ، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:٢٣-٢٤]] .

يعتقد المسلمون أن ربهم سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، ويعتقدون أنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، وأنهم لا يستطيعون معرفة كيفيته ولا كنه صفاته ولا كنه ذاته، ويقولون: الله أعلم بكيفية صفاته وبكيفية أفعاله، فلا يجوز أن يسأل عنه بكيف.

كما قال الإمام مالك لما سئل عن الاستواء: الاستواء معلوم والكيف مجهول، يعني: كيفية استوائه سبحانه مجهولة لا يعلمها سواه، وهذا أيضاً يقال في سائر الصفات كصفة النزول والمجيء والعلو والغضب والرحمة والمحبة وما أشبهها.

فالمسلمون يعتقدون ثبوت هذه الصفات، ولكن يعجزون عن إدراك كيفيتها، فكيفية ذات الله وكيفية صفاته لا يستطيع فهم أن يدركها ولا وهم أن يتخيلها، لو فكر الإنسان بفكره لما استطاع أن يصل إلى كيفية الخالق.

وقد عجز العباد عن إدراك أقرب شيء إليهم وهي الأرواح التي تحيا بها الأجساد، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥] .

وقد أخبر الله أن ها هنا ملائكة ونحن نؤمن بهم وإن لم نرهم، ولا ندري مم خلقوا ولا كيفية خَلْقِهِم، خَلَقَهُم الله تعالى لعبادته ولكن ما تركيبهم؟ وما أعضاؤهم؟ وما أجسادهم؟ الله أعلم بذلك.

وهكذا فقد أخبرنا الله تعالى بأن هناك شياطين، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم، ولكن لا ندري ما كيفية هذا الشيطان؟! ولا نعرف ما مثاله؟! ولا ما وزنه؟! ولا غير ذلك؟!.

وأخبرنا تعالى بأن هناك جناً، وأن الجن ينفذون في الإنسان، وأنهم يدخلون في الأرض، وحُكيت عنهم الأقوال وسمعوا وشوهدوا، ومع ذلك لم ندر ماهيتهم؟! ولا ما كيفية خلقهم؟! وإذا عجزنا عن هؤلاء، فَعَجْزُ الإنسان عن كيفية وماهية الرب تعالى بطريق الأولى، فما عليه إلا أن يستسلم، ويعرف أن هذا الكون لا بد له من مكون، وأن المكون الذي كون هذه الكائنات أجرامها وأعلامها وعلويها وسفليها هو الواحد وحده، وهو الذي لا تبلغه الأفهام ولا تتوهمه الأوهام ولا تدركه العقول: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥] ، ولا يوصف إلا بما وصف به نفسه على وجه الكمال، كما في الآيات التي سمعنا، فإن الله وصف نفسه بهذه الصفات، لِيُعْتَقَدَ أنه الإله الحق، وأنه رب الأرباب، وأنه الخالق البارئ المصور، وأنه الملك القدوس السلام، وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.