للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوسل والدعاء بأسماء الله من مستلزمات الإيمان بها]

الماتن يقول: (حي لا يموت قيوم لا ينام) والشارح ابتدأ شرحه بأول آية الكرسي وهي قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] ، واستدل أيضاً بأول سورة آل عمران: {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:١-٢] ، وبالآية الثالثة في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:١١١] ، فالله عز وجل قرن هذين الاسمين في ثلاثة مواضع: في سورة البقرة في آية الكرسي، وفي أول سورة آل عمران، وفي سورة طه، ولما كان هذا شأنهما قال بعض العلماء: إنهما يتضمنان اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.

ولأجل ذلك يندب أن يكثر العبد من التوسل بأسماء الله إذا دعاه، وأن يكثر من التوسل بهذين الاسمين، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث: أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) ، فأفاد بأن هذين الاسمين يدعى الرب سبحانه وتعالى بهما كما يدعى ببقية الأسماء الحسنى، التي قال الله عنها: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] أي: توسلوا بها في دعائه، فأنت مأمور أيها العبد عند الدعاء أن تتوسل بأسمائه سبحانه ومن جملتها: الحي القيوم، وبلا شك أن هذين الاسمين يتضمنان صفات الكمال، فإن الحي يتضمن إثبات الحياة، والحياة التي تثبتها لله تعالى هي أتم حياة وأكملها، وذلك بوصفها بأنها حياة مستقرة وأنها لا يعتريها نقص، فلا يعتريها النوم الذي هو أخو الموت، ولا يعتريها الموت كما في قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] ، ومن هذا الوصف يستحق الرب تعالى أن يكون هو الإله، ولأجل ذلك بدأ الآية بإثبات الإلهية: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] في آية الكرسي وفي أول سورة آل عمران، بدأ الآية بالإلهية، فكأنه يقول: الإلهية الحقة لا تصلح إلا لمن هو حي قيوم.

الحياة والقيومية الكاملة هي التي استحقها الرب واستلزمت جميع صفات الكمال، ومعنى كونها تستلزم صفات الكمال: أن من أثبتها لزمه أن يثبت بقية الصفات التي هي صفات الكمال.

فإن الحياة كلما كانت كاملة لزم أن يكون غيرها من الصفات تابعاً لها، وأما من نفى شيئاً من الصفات فإنه إنما أثبت حياة ناقصة، وقد وصف الله عز وجل نفسه بالسمع، والحياة تستلزم أن يكون سميعاً، وبالبصر، والحياة تستلزم أن يكون بصيراً، وبالكلام، والكلام لا بد أن يكون من حي، وكذلك بالقدرة وبالعلم وبالمشيئة والإرادة وما أشبه ذلك من الصفات التي يأتينا تفصيلها إن شاء الله تعالى.

فعلى هذا فالمسلم عليه أن يلح في دعاء الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه، بعد أن يعتقد دلالة تلك الأسماء، فدلالة الحي على إثبات الحياة، ودلالة القيوم على إثبات القيومية التي هي القيام على خلقه بحيث يوصف بأنه القائم على خلقه المدبر لشئونهم.