للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إمامته صلى الله عليه وسلم للأتقياء]

قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (وإمام الأتقياء) .

الإمام الذي يؤتم به أي: يقتدون به.

والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث للاقتداء به؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١] ، وكل من اتبعه واقتدى به فهو من الأتقياء] .

هذه من صفاته عليه الصلاة والسلام، لا شك أن الإمامة معناها: القدوة، فالإمام هو الذي يقتدى به، وقد وصف الله إبراهيم بالأمة في قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:١٢٠] يعني: قدوة يقتدى به.

وقد امتدح الله عباده الذين يقولون: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:٧٤] ، وكذلك قد جعل الله إبراهيم كذلك في قوله: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٢٤] .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إماماً فإنه يقتدى به، والاقتداء به يعم الاقتداء به وبكل ماجاء به، سواء في العادات أو في العبادات، فإن كان من العبادات ومن القربات فالعبد يفعلها على أنها طاعة يحتسب الأجر فيها، فالطاعات والعبادات هي ما جاء بها عن ربه بالحلال والحرام، وجاء بالطاعات والحسنات، فنفعلها على أنها من سنته، فنحافظ على الصلوات فرائضها ونوافلها؛ لأنها جاءت في شريعته، وكذلك على الطهارة سواء بالماء أو بالتراب أو نحو ذلك، فهذه من شريعته نتبعه ونقتدي به فيها، وكذلك سائر العبادات كالصيام والصدقة والحج والجهاد والدعوة إلى الله والذكر والقراءة وما أشبهها، فهذه تفعل على أنها من العبادة يتبع فيها شرع هذا النبي الكريم، وأما العادات فنفعلها إذا نقلت عنه عليه الصلاة والسلام على أنها أولى من غيرها وإن كان غيرها جائزاً، والمراد بالعادات: الأمور التي كانت معمولاً بها قبل الإسلام.

ومعلوم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قبل الإسلام كان يأكل ويشرب ويلبس وينام ويتزوج، وكذلك كان يدخل ويخرج، ويركب وينزل، ويسافر ويرحل، ويقيل، فالعادات هي الأمور المعتادة، فهذه العادات إذا فعلها العبد اقتداء واتباعاً ومحبة فقد يثاب عليها وإن كانت مما قد تستدعيه النفس، كما أخبر عليه الصلاة والسلام بأن العبد إذا فعلها اقتداء واتباعاً بنية صادقة أثيب عليها، فيثاب على طلبه الرزق من أجل أن يعف نفسه، ولأجل أن يقوت من تحت يده، ويثاب على إعفافه لزوجته وإن كان ذلك من الأمور الطبيعية، ويثاب على نفقته على أهله؛ لقوله: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت عليها) ، وإذا فعل ذلك على أنه عادة فلا ثواب ولا عقاب.

وعلى كل حال فكونه عليه الصلاة والسلام إماماً لأمته وبالأخص المتقين منهم، فهذا يعم كل ما جاء به من الشرع، ويكون أتباعه في ذلك لهم النصيب الأكبر على هذا الاتباع.