للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سماع كلام الله تعالى وتبليغه وما يفهم من ذلك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحقيقة كلام الله تعالى الخارجية هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه، فإذا سمعه السامع علمه وحفظه، فكلام الله مسموع له معلوم محفوظ، فإذا قاله السامع فهو مقروء له متلو، فإن كتبه فهو مكتوب له مرسوم، وهو حقيقة في هذه الوجوه كلها لا يصح نفيه، والمجاز يصح نفيه، فلا يجوز أن يقال: ليس في المصحف كلام الله، ولا ما قرأ القارئ كلام الله.

وقد قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] ، وهو لا يسمع كلام الله من الله وإنما يسمعه من مبلغ عن الله، والآية تدل على فساد قول من قال: إن المسموع عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله، فإنه تعالى قال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] ، ولم يقل: حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله.

والأصل الحقيقة، ومن قال إن المكتوب في المصاحف عبارة عن كلام الله أو حكاية كلام الله وليس فيها كلام الله، فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة، وكفى بذلك ضلالاً] .

في هذا الكلام بيان أن كلام الله تعالى هو الحروف والمعاني وأن الله تكلم به حقيقة، ولكن بلغه رسوله، فكلم به الرسول الملكي، ونزل به الملك على الرسول البشري، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية نزول الوحي في قوله: (أحياناً يأتيني الملك في صورة رجل فيكلمني فأعي ما يقول) يعني أن من الوحي ما يكون نزوله عليه أن يتمثل له الملك في صورة رجل.

ومعلوم أن كلام الله تعالى مسموع بالآذان، ولهذا قال تعالى في هذه الآية من سورة التوبة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] ، وقال تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥] ، فصرح بأنه كلام الله.

وفي آيات أخرى التصريح بذلك، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:٧٨] ، فـ (الكتاب) يعني: الكتابة (إلا أماني) أي: تلاوة دون فهم، وعبر بذلك عن القراءة، ثم قال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:٧٩] .

والحاصل أن سماع كلام الله ممكن، ولكن هل المراد أنه يسمع كلام الله من الله؟ لا.

بل المراد ممن يقرؤه عليه ويخبره بأنه كلام الله، إنما الذي سمع كلام الله وصرح بأنه سمعه موسى عليه السلام، كما قال تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:١٤٤] ، وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣] ، فأخبر الله بأن موسى سمع كلام الله منه إليه، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم لما أسري به كلمه الله منه إليه.

فكل ذلك يفيد أن كلام الله تعالى مسموع، والمسموع هو هذا الصوت الذي نسمعه من القارئ، ومعلوم أننا لا نقول: إن الصوت هو صوت الله، تعالى الله، وإنما نقول: المتكلَم به هو كلام الله، والذي أسمعنا إياه هو هذا القارئ، فسمعنا كلام الله من هذا القارئ، فهذا الفرق في السماع بين القراءة والقارئ، بين المقروء والقارئ.