للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقوع الأشاعرة في القول بخلق القرآن]

قال المؤلف رحمه الله: [ولا شك أن من قال: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى، وإن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارئ حكاية كلام الله وهو مخلوق؛ فقد قال بخلق القرآن وهو لا يشعر؛ فإن الله تعالى يقول: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:٨٨] .

أفتراه سبحانه وتعالى يشير إلى ما في نفسه، أو إلى المتلو المسموع؟ ولا شك أن الإشارة إنما هي إلى هذا المتلو المسموع؛ إذ ما في ذات الله غير مشار إليه ولا منزل ولا متلو ولا مسموع، وقوله: {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:٨٨] أفتراه سبحانه يقول: (لا يأتون بمثل ما في نفسي مما لم يسمعوه ولم يعرفوه) ؟ وما في نفس الله عز وجل لا حيلة إلى الوصول إليه ولا إلى الوقوف عليه] .

قول الله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨] ، وقوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:٣٤] ، وقوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:٢٣] وقوله تعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:١٣] الإشارة هل هي إلى المعنى أو إلى اللفظ؟ لا شك أن الإشارة إلى هذه الكلمات والآيات الموجودة في المصاحف، فهو الذي يسمى سوراً وآيات وكلمات وحروفاً، ومجموعه هو القرآن، أشار الله إليه بقوله: {بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} [الإسراء:٨٨] .

هل الإعجاز بالنسبة إلى المعنى الذي في نفس الرب تعالى الذي قام به؟ إنه يستحيل أن يعلم أحد ما يقوم في نفس الرب سبحانه، وقد حكى الله عن نبيه عيسى أنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦] .

فإذاً: الذين يقولون إن كلام الله هو ما يقوم بنفسه، وإن هذا القرآن عبارة أو حكاية عنه، وليس هو عين كلام الله؛ لا شك أنهم قد جعلوا هذا القرآن مفترى ومخلوقاً، وجعلوا الإنسان قادراً على أن يأتي بمثله، فجعلوه إما من صياغة الملك، وإما من صياغة محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يكون منه ذلك، وحكى الله عنه أنه يقول: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} [يونس:١٦] لبث فيهم قبله أربعين سنة، فكيف مع ذلك جاء به بعد هذه المدة وافتراه وقاله من قبل نفسه، ولو أنه أوحي إليه المعنى وقيل له وعليك صياغة اللفظ، وعليك صياغة الكلمات لكان ذلك من إنشائه لا من إنشاء الله سبحانه، فعلم بهذا أنه لما نزه نفسه عن أن يقول إنه كلامه، صدق عليه أن اللفظ والمعنى كله من كلام الله.

وهذا هو الصحيح، والإشارة بقوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:٣٤] أي: على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، والإشارة إلى الحروف والمعاني، لا على ما يقوم بذات الرب أو بنفسه سبحانه وتعالى؛ فإن ذلك غير ممكن الاطلاع عليه ولا معرفته.