للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لزوم الإيمان بالإسراء والمعراج دون اعتراض]

والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام -كما أخبر الله- عُرج به حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وأوحى الله تعالى إليه، ورفعه إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام، ومر على البيت المعمور الذي في السماء السابعة، وأخبر بأنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملَك من تلك السماء، ثم لا يعودون إليه، وكل يوم يدخل فيه غيرهم، وذلك هو البيت الذي ذكره الله في قوله: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:٤] .

ثم فرضت عليه هذه الصلوات أولاً خمسين صلاة، وخففها الله حتى صارت خمساً، فقال الله: (أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي) ، ورجع في ليلته إلى الأرض وأصبح في مكة، وذلك يسير في قدرة الله سبحانه وتعالى.

فيؤمن أهل السنة بذلك، ولو استنكر ذلك من استنكره من المبتدعة ونحوهم، وذلك أن من لا علم عنده، أو من لا يؤمن إلا بالمحسوسات ونحوها قد يستبعد ويقول: إن الإنسان على هذه الأرض، وإنه لا يمكن أن يعيش إذا فارقها، وإنه إنما يعيش بهذا الأكسجين الذي يعيش به.

نقول: كيف لا يجوز أن يكون أهل السماء يعيشون كما يعيش أهل الأرض، وأن يكون عندهم مثلما يكون عند أهل الأرض، والله تعالى على كل شيء قدير؟ وعلى كل حال فالذين يستبعدون ذلك ويقولون: إنه مستحيل أن يفارق الإنسان هذه الأرض أو يرتفع إلى غيرها أو ما أشبه ذلك؛ كل ذلك تخبطات وتخرصات.

وكذلك الذين استنكروه للبعد وقالوا: كيف يقطع هذه المسافات ونحوها؟! وقد سبق أن أبا بكر رضي الله عنه صدقه وقال: كيف لا أصدقه وهو يأتيه خبر السماء؟ ينزل عليه الملك في لحظات ويصعد في لحظات كطرف العين، فلماذا لا نصدقه؟ وما دمنا عرفنا أنه قد صدق في دعواه أنه مرسل من ربه فكذلك دعواه أنه بُعث وأنه جاء بهذه الشريعة، وهكذا أيضاً ما جاء به من هذا الإسراء والمعراج.

لا شك أيضاً أن هذا يعتبر شرفاً، ويعتبر ميزةً له، ويعتبر فضيلةً من فضائله عليه الصلاة والسلام أنه عُرج به في الحياة، وأنه صعد إلى السماء السابعة، وأنه كلمه ربه منه إليه، وأنه وصل إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام، وأن الله خاطبه منه إليه كما يشاء.

فهذا من فضائله، ويذكر مع فضائله أنه جاوز السبع الطباق، أي: السبع السماوات، ورفعه الله فوقها.

فهذا أدخلوه في العقيدة، وذلك لأنه من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وميزته وخصائصه، مما يقد يكذِّب به مَن قَصُر علمُه عن معرفة المغيَّبات واقتصر على ما يظن أنه ظاهر، أو اقتصر على ما تدركه حواسه دون أن يؤمن بقدرة الله على كل شيء، ومن آمن بأن الله تعالى على كل شيء قدير لم يستبعد مثل هذا الحادث العظيم.