للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك في توحيد الربوبية شرك جزئي]

موضوعنا حول مقدمة الكتاب في تقرير التوحيد، ومعرفة وحدانية الله سبحانه وتعالى، وسبب تسمية هذا العلم بالتوحيد، وأهمية هذا النوع من العلم، والتوحيد الذي دعت إليه الرسل، والتوحيد الذي أقر به المشركون، والتوحيد الذي يقرره أهل الكلام والمتصوفة ويدورون حوله.

ولا شك أن معرفة هذه الأنواع تكسب الإنسان رسوخاً في الإيمان؛ فإن من عرف هذه الأنواع امتلأ قلبه بالإيمان، ومتى امتلأ القلب بالإيمان وباليقين انبعثت الجوارح بالأعمال الصالحة وتورع المؤمن عن السيئات، هذه فائدة معرفة هذه العقيدة، أنها إذا رسخت في القلب صارت سبباً لاستكثار المؤمن صحيح العقيدة من الأعمال الصالحة وبعده عن السيئات، فاستحق بذلك ثواب الله.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [فلما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقاً خلق بعض العالم كما يقوله الثنوية في الظلمة وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان، وكما يقوله الفلاسفه الدهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس أو الأجسام الطبيعية، فإن هؤلاء يثبتون أموراً محدثة بدون إحداث الله إياها، فهم مشركون في بعض الربوبية، وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئاً من نفع أو ضر بدون أن يخلق الله ذلك] .

معنى هذا أن جميع الخلق يعترفون بتوحيد الربوبية، إلا بعض الأفراد أو بعض الطوائف، والذين ينكرونه إنما ذلك في الظاهر عناداً، كفرعون حيث قال: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤] ، فهو في الباطن معترف بصدق موسى، كما في قوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء:١٠٢] أما بقية الأمم فإنهم يعترفون بأن للوجود خالقاً، وهذا هو توحيد الربوبية، وأن هذا الكون مفتقر إلى من أوجده، وهذا هو توحيد الربوبية، وأن الموجد واحد، لكن هناك أنواع من الشرك في الربوبية جزئيات.

شرك المجوس الذين جعلوا الوجود صادراً عن اثنين، فجعلوا الخير من خلْق النور، وجعلوا الشرور من خلق الظلمة، أي: أنهم جعلوا خالقين: النور والظلمة، فهذا نوع من شركهم، ومع ذلك ما جعلوهما سواء، بل النور عندهم خير، والظلمة شريرة، وهذا شرك في الربوبية.

وهناك شرك آخر عند المعتزلة وإن لم يكن صريحاً، وهو أنهم يزعمون أن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله لا يقدر على خلق أفعال العباد، ولأجل هذا يسمون (مجوس هذه الأمة) ، وهذا شرك منهم وإن كانوا يدعون أنه من باب تنزيه الله تعالى -في زعمهم- عن أن يخلق المعصية ويعاقب عليها، ولعله يأتينا إن شاء الله الرد عليهم في موضعه.

وهناك بعض من المشركين من الفلاسفة ومن المتصوفة ونحوهم يشركون في أنواع من الربوبية، وأقوالهم في ذلك غريبة لا ينبغي أن يلتفت إليها.

والحاصل أن جميع خلق الله -إلا النادر الشاذ- يعترفون بأن الخالق واحد وهو الله.