للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على الميثاق المأخوذ على بني آدم المذكور في سورة الأعراف]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: (والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق) .

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢] .

يخبر سبحانه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلَّا هو، وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم: فمنها ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان -يعني: عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قُبُلاًَ قال: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)) [الأعراف:١٧٢] إلى قوله: {الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:١٧٣] ) .

ورواه النسائي أيضاً وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه.

وروى الإمام أحمد أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه سئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزَّ وجلَّ إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار) .

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير وابن حبان في صحيحه.

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عينَي كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب! مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب! مَن هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داوُد.

قال: رب! كم عمره؟ قال: ستون سنة.

قال: أي رب! زده من عمري أربعين سنة.

فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت قال: أوَلم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أوَلم تعطها ابنك داوُد؟! قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته) ، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه.

وروى الإمام أحمد أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم.

قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي) وأخرجاه في الصحيحين أيضاً.

وفي ذلك أحاديث أُخَر أيضاً كلها دالة على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه وميَّز بين أهل النار وأهل الجنة] .

يؤمن أهل السنة بالميثاق الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية، وهي قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:١٧٢-١٧٣] .

فهذه الآية فيها أن الله أخذ من ظهور بني آدم ذريتهم.