للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظهور آثار العقيدة على العمل]

فإذا اعتقد العبد العقيدة التي هي متلقاة عن الله تعالى وعن رسله، ظهرت آثارها على أعماله.

وإذا رأيت المبتدعة الذين يخالفون الأدلة، دل ذلك على ضعف عقيدتهم، وعلى تزعزها وكونها على شفا جرف هار، وأنها لم تكن راسخة في قلوبهم.

وهكذا إذا رأيت الذين يتهاونون بالسيئات ويرتكبون المحرمات، ويتركون الطاعات الواجبة، فإن ذلك دليل على ضعف معتقدهم، بحيث إنها لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، ولم يطمئنوا بالإيمان، ولو اطمئنوا به لما أقدموا على هذه المخالفات، ولو استحضروا عظمة ربهم وأنه يراهم ويعلم سرائرهم وضمائرهم، لما أقدموا على المعاصي وهم يعرفون أنها معاص.

فإذاً: يتفقد الإنسان نفسه، ويتفقد بني جنسه، ويعرف بذلك سليم العقيدة وضعيف العقيدة، يعرف بذلك من هو قوي في الإيمان متمكن منه قد رسخ الإيمان في سويداء قلبه، فيقول: هذا من أهل العقيدة، عرفته بقوة إيمانه، وعرفته بآثار إيمانه، وعرفته بقوة تصديقه، وعرفته بالعمل، وعرفته بالبعد عن الحرام، وعرفته بالبعد عن المشتبهات.

وهذا ضعيف العقيدة: عرفته بتساهله في الإيمان، عرفته بتساهله بالمعاصي، عرفته بتساهله في ترك الطاعات، وما أشبه ذلك.

فهذه هي النتيجة والفائدة الصحيحة لعلم هذه العقيدة، وتفاصيلها التي فصلت في الطحاوية، وكذلك في غيرها من عقائد أهل السنة، فتفاصيلها لا شك أنها تزيد العبد قوة وإيماناً، سواء منها ما يتعلق بالعقود أو ما يتعلق بالمواثيق، أو ما يتعلق بدخول الأعمال في مسمى الإيمان، أو ما يتعلق بالقضاء والقدر، أو ما يتعلق بعلم الغيب، أعني: العلوم الغيبية السابقة واللاحقة، أو ما يتعلق بالإيمان بالبعث وبما بعد البعث، أو ما يتعلق بالقبر وفتنته ونعيمه وما أشبه ذلك، أو ما يتعلق بالإيمان بالجنة والنار والثواب والعقاب والوعد والوعيد، أو ما يتعلق بالإيمان بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله وما أشبه ذلك، كل ذلك يعتبر تفاصيل لأصل هذه العقيدة، ولكن الأصل كما قلنا: الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبما جاء عن الله على مراد الله.

وقد مضى الكلام حول المواثيق والعهود التي أخذها الله تعالى على عباده، بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الأعراف:١٧٢] وعرفنا أن هذا إما أنه -كما ورد في الأحاديث- العهد الذي أخذه الله على بني آدم وهم في أصلاب آدم، أو أنه العهد الذي فطر الله عليه العباد وجبلهم عليه، وهذا هو الأقرب والأمثل، يبينه قول الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:٣٠] ، وقوله في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، فأخرجتهم عن دينهم) ، فكونهم حنفاء، أي: على الفطرة والحنيفية التي هي معرفة الله ومعرفة ما خلقوا له، فهذا هو الأقرب.

ولكن نؤمن أيضاً بالحديث الذي فيه (أن الله تعالى استخرج ذرية آدم من ظهره، وعرف منهم من هو من أهل الجنة ومن هو من أهل النار، وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي!) ، فنؤمن بذلك وإن كنا لا نتذكر ذلك العهد، ولكن خبر الله أوثق.

والأصل أن أدلة معرفة الله تعالى لو ترك عليها الإنسان لعرف أنه مخلوق، وأن له خالقاً، وأن خالقه له عليه حقوق، فيؤمن العباد بذلك من جملة الإيمان بالغيب، ومن جملة العقيدة التي يعتقدونها.