للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة إنكار المحبة بين العبد وربه والرد عليها]

المحبة من أعلى صفات الله الفعلية، الله تعالى يحب عباده، ويتخذ من يشاء منهم خليلاً، فإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم هما الخليلان اللذان اتخذهما الله لهذه الخلة التي هي من خصائصهما، وأما بقية الخلق فإنهم يحبون الله تعالى والله تعالى يحب المؤمنين ويحب المتقين ويحب التوابين ويحب المتطهرين كما أخبر بذلك.

فالمحبة عامة للمؤمنين، والخلة خاصة بالخليلين، وهي من الله تعالى.

صفة الخلة وصفة المحبة عموماً، أنكرتها الجهمية من الجانبين، فقالوا: الله لا يُحِب ولا يُحَب، أنكروا أن المؤمنين يحبون ربهم، وأنكروا أن الله يحبهم، لماذا؟ يقولون: إن المحبة لا تكون إلا بين اثنين بينهما تجانس، فالإنسان يحب إنساناً لأنه إنسان؛ ولأن بينهما تجانساً، وليس بين الرب وبين الخلق تجانس، يقولون: الرب قديم، والإنسان حادث، فما دام أن بينهما هذا التفاوت فلا يمكن أن يكون بينهما هذه المحبة التي هي خاصة بالمتجانسين.

هذه شبهة، ولا شك أنها شبهة باطلة، فالمؤمنون يجدون في قلوبهم المحبة، ويجدون من ربهم آثار هذه المحبة، فالله تعالى يحب عباده، ومن آثار هذه المحبة: أنه ينصرهم، ويكرمهم، ويؤيدهم، ويقويهم، ويعلي شأنهم، ويعلي كلمتهم، ويوفقهم، ويسدد خطاهم، أليس ذلك دليل من آثار المحبة؟ إذا رأيت إنساناً يكرم رجلاً، ويقدسه، ويقدمه، ويدخله بيته دائماً، ويزوره، ويستزيره، ويهدي له، ويقبل هديته، ويمدحه في المجالس، ألست تستدل على أنه يحبه؟ نعم، وتقول: هذا يحب فلاناً، وبينهما محبة.

نحن نشهد آثار رحمة الله تعالى، نشهد أنه يوفق بعض عباده، وأنه ينصرهم ويؤيدهم، ويقويهم ويقوي عزائمهم، ويقوي قلوبهم، أليس ذلك من آثار المحبة؟ بلى؛ هذا دليل على أنه أحبهم حيث أظهرهم وقواهم ونصرهم وأيدهم، كما حصل لأولياء الله تعالى في كل مكان وزمان.

إذاً: نستدل بآثار المحبة على وجودها، هذا لو لم ترد في الأدلة، فكيف والأدلة الشرعية كثيرة كقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] ، اجتمعت المحبتان: ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) ، وهذا رد على المعتزلة في الجهتين، هم يقولون: لا يحُب ولا يحِب، والآية أثبتت أنه يحبهم وأنهم يحبونه، ومن آثار محبته لهم: أنه ينصرهم ويؤيدهم ويقوي كلمتهم، وآثار محبتهم لربهم: أنهم يعبدونه، ويخلصون العبادة له، ويوحدونه ويطيعونه، ويطيعون أمره، ويعظمون شرعه، ويستعدون للقائه، ويعملون بشرائعه كلها، ويحذرون من أسباب غضبه، ويفعلون أسباب ثوابه، وهذا دليل على أنهم يحبونه.

كذلك أيضاً محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم واجبة عليهم، وهي تابعة لمحبة الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) .

نحن نحب هذا النبي صلى الله عليه وسلم، والكثير يقولون: نحن نحبه، ونشهد أنه رسول الله، لكن لهذه المحبة علامات، فلابد أن تظهر في الذي يحبه علامات المحبة، ومن أبرزها طاعته واتباعه، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] .