للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الخوف]

مؤلف المتن ذكر الخوف والرجاء، وأن الخوف على من فعل كبيرة، فنخاف على أهل الكبائر، نخاف عليهم إذا ماتوا وهم على كبائرهم، وكذلك يخاف الإنسان من عقاب الله، إذا كان قد فعل ذنباً، وهذا الخوف يحمله على ترك ذلك الذنب، سواء كان كبيراً أو صغيراً، ومعلوم أن الخوف هو الوجل والفزع الذي يحمله على أن يترك هذا الذنب ويتوب منه ويقلع عنه، ولا يعود إليه، فإذا كان كذلك فهو خوف صادق.

والذنوب التي تسبب العذاب وتوجبه كالشرك، أو تسببه ولا توجبه وهي ما دون الشرك، والذي دون الشرك من الذنوب هي إما صغائر وإما كبائر، والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة؛ وذلك لأن من تهاون بذنب ولو كان صغيراً وأصر واستمر عليه، دل إصراره وتهاونه به على احتقاره للذنوب، ومن احتقر الذنوب أصبحت في نفسه عظيمة، وكونها تصبح عظيمة لا يبقى لها في قلبه قدر، فيتهاون بالذنوب، ويكثر من فعلها، وتتراكم عليه وتهلكه، كما ورد ذلك في الأحاديث.

وأكبر الذنوب وأكبر الكبائر هو الشرك، وهو يوجب دخول النار؛ لأن الله ذكر أنه لا يغفره: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨] ، وفي الحديث أن الشرك لا يغفر، فجعل الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر وهو الشرك، صاحبه لابد أن يدخل النار بقدر شركه إن كان أصغر، أو يخلد فيها إن كان أكبر، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه، تقصيره في حقوق نفسه، هذا يغفره الله ولا يحاسب العبد عليه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد فيما بينهم، فالقصاص فيها لا محالة، إذا كان الإنسان عنده مظالم للخلق فلابد أن تستوفى هذه المظالم في الدار الآخرة.

والشاهد منه ذكره أكبر الظلم وهو الكفر والشرك، فإن الله سمى الشرك ظلماً حيث قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] ، وسمى الكفر ظلماً في قوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:٢٥٤] ؛ وذلك لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فالكافر وضع الإيمان في غير موضعه، والمشرك وضع العبادة في غير موضعها، فأصبح بذلك ظالماً، بل هو أعلى أنواع الظلم.

نحن نخاف على المذنبين، ونرجو للمحسنين، ونخاف من عذاب الله، ونرجو ثوابه، فالمسلم يجمع بين الخوف والرجاء، فمن أسباب الخوف تذكر عظمة الله عز وجل وهيبته وكبريائه، وهو أهل أن يخاف حق الخوف، ومن أسباب الخوف: تذكر العذاب الدنيوي، وما أحل الله بالعصاة، وما وقع بهم من المثلات، وذلك يسبب أن يخاف العباد من عذاب الله العاجل، الذي أنزله بمن كفر به وعصاه وبغى وتكبر.

ومن الأسباب الدافعة له أو الداعية إليه: تذكر عذاب الآخرة، وأن عذاب النار شديد، وأن هول المطلع شديد، وأن عذاب الله في الآخرة أشد وأبقى، وذلك يدفع الإنسان إلى أن يخاف أشد الخوف.

وقد مدح الله الذين يخافونه ويخشونه فقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] يعني: الذين يخشونه حق خشيته هم العارفون به، العالمون بأمره ونهيه، والعالمون بعقوبته وشدة بطشه، وقد أمر الله بأن نخشاه دون غيره في قوله تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٤٤] والخشية: شدة الخوف.

وكذلك أمرنا أن نخافه وألا نخاف غيره، وأخبرنا بأن الشيطان يخوفنا بأعدائنا، يقول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:١٧٥] الشيطان يخوف بأوليائه، يعني: يعظم أولياءه في نفوس المؤمنين، ويوقع في نفوسهم أن الكفار أهل قوة وأهل نجدة وأهل عدد وأهل معرفة وأهل خبرة، وعندهم وعندهم فاخشوهم وخافوهم، فعند ذلك يضعف خوف الله في قلب العبد، ويعظم خوفه من الإنسان، ولا شك أن هذا هو أعلى مقصد للشيطان؛ فلذلك قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم أولياءه، (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) .

والأسباب التي تدفع إلى الخوف كثيرة، نكتفي منها بهذه.