للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الرجاء]

الأسباب التي تدفع إلى الرجاء: كون الإنسان يرجو رحمة الله، ويعلق قلبه بربه، ويثق بأنه سيعينه وينصره، وأنه سينجيه من كيد عدوه، ويثق بأنه سبحانه أهل أن يرحم عبده، وأن يتجاوز عن سيئاته.

والأسباب في ذلك كثيرة، فمنها: تذكر واسع الرحمة؛ لأن من أسماء الله تعالى: الرحمن، الرحيم، وقد وصف نفسه بأنه أرحم الرحمين، ومقتضى هذه الرحمة أن يرحمهم وأن يعلق آمالهم برحمته، ولا ييئسوا من فضله ومن عطائه.

ومن الأسباب التي تدفع العبد إلى أن يرجوه وحده: تذكر أنه سبحانه قد غفر للعباد المذنبين، وكفر عنهم السيئات، ومحا عنهم الزلات، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، وهو واسع الفضل وواسع الرحمة، وقد خلق الرحمة مائة جزء، أنزل منها جزءاً يتراحم بها الخلق فيما بينهم، ويوم القيامة يكمل المائة فيرحم بها عباده، كل جزء منها طباق ما بين السماء والأرض.

كذلك من الأسباب الدافعة للرجاء: أن يتذكر أن الله تعالى يغفر الذنوب لمن استغفره، ويفرح بتوبة التائب، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويقبل على عباده إذا أقبلوا إليه، وفي الحديث القدسي: (ومن تقرب إلى شبراً تقربت منه ذراعاً) وذلك كله دليل على أنه واسع الرحمة فيرجوه العباد.

ومن الأسباب التي تدفع العبد إلى الرجاء: تذكره مضاعفة الله للحسنات، فإنه يضاعفها بأضعاف كثيرة، فالحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله كتب على نفسه الرحمة، وأنه كتب كتاباً عنده على العرش: (إن رحمتي تغلب غضبي) .

فهذه بعض الأسباب التي لأجلها يجمع العبد بين الخوف والرجاء، فرجاؤه يكون حاملاً له على تعلق قلبه بربه، وفعل الطاعات التي يستأهل بها لأن ينال واسع الرحمة والثواب، وخوفه يدفعه إلى الهرب عن المحرمات وعن المعاصي؛ حتى ينجو من أسباب العذاب، فإذا جمع بين الخوف والرجاء اعتدل أمره، وأصبح بذلك من المؤمنين، فلا أمن ولا يأس، الأمن: هو فعل المذنبين الذين يصرون على الذنوب ويأمنون، {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] ، واليأس: هو قطع الرجاء، {يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧] ، بل الأمر بينهما.

قد ذكرنا أنه يستحب في حال الصحة تغليب الخوف؛ حتى يحتقر أعماله فيكثر من الحسنات، وفي حالة المرض يغلب جانب الرجاء؛ حتى يفد ويقدم على ربه وهو يحسن الظن به، وبذلك يعمل الحسنات ويهرب من السيئات) .