للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السبب الثاني مما يمحو السيئات: الاستغفار]

الاستغفار مشتق من الغفر الذي هو الستر، غفر الشيء يعني: ستره، ومنه سمي المغفر الذي يلبسه المجاهد على رأسه يقيه من السلاح؛ لأنه يستر الرأس، فإذا قال العبد: أستغفر الله.

معناه: أطلبه أن يستر ذنوبي ويمحو عني أثرها، إذا قال: اللهم اغفر لي.

أي: امح عني السيئات، وكفرها عني، وأزل عني ما تلوثت به منها، هذا معنى: أستغفر الله، أي: أطلب المغفرة أو أطلب محو الذنب؛ وذلك أن الذنب يسبب للإنسان شيئاً من الأثر السيئ، كأنه يؤثر عليه أثراً معنوياً، ليس أثراً حسياً، فهو تلويث ووسخ وقذر وأذى، وإن كان نظيف الجسد ونظيف البدن ونظيف الثياب، لكنه قد تلبس بهذه الذنوب فأكسبته شيئاً من هذا الأذى، ومن هذا الوسخ والقذر، فهذا الاستغفار يمحوها، ويزيل أثر السيئات، فإذا قال: اغفر لي.

أي: امح عني، واسترني من آثار هذه السيئات.

ذكر الشارح أن الاستغفار مقارن للتوبة، لا يمكنه أن يكون تائباً إلا إذا كان مستغفراً، إذا قال: أستغفر الله.

فمعناه: أطلبه أن يمحو عني ذنوبي، وإذا قال: رب! تب علي.

فمعناه: اقبل مني توبتي.

وكأن السائل راجع إلى الله بعد أن كان معرضاً، والمستغفر كأنه طالب من الله أن يزيل عنه أثر السيئات، فيكونان متلازمين، لا تكون توبة إلا ومعها استغفار، وذكر الشارح أنهما متقاربان، كل منهما يدخل في معنى الآخر، لو اشتغل إنسان بقوله: إني تائب إلى الله، رب تب علي، أنا تائب إليك، أتوب إلى الله، تبت إليك وأنا من المؤمنين، كفاه عن طلب الاستغفار، ولو قال إنسان مثلاً: رب اغفر لي، أسألك مغفرتك، أستغفر الله، غفرانك ربنا، وأكثر من طلب المغفرة، كفاه عن أن يقول: إني تائب.

فالتوبة تقوم مقام الاستغفار، والاستغفار يقوم مقام التوبة، والجمع بينهما من باب التأكيد والتقوية؛ ولأجل ذلك كان صلى الله عليه وسلم يجمع بينهما، ثبت عن ابن عمر قال: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب! اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم) قوله: (رب اغفر لي) هذا استغفار، وقوله: (وتب علي) هذا توبة، أتى بهما معاً، مع أن أحدهما بمعنى الآخر؛ ولكن من باب التقوية ومن باب المعاهدة.

وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من الاستغفار، مع أن الله قد غفر له وقال: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:٢] وكان يعد الغفلة ذنباً فيتوب ويبادر، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه ليغان على قلبي -يعني: يغفل قلبي عن الذكر أحياناً- فأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) هذه توبة واستغفار من ترك الذكر، أو من الغفلة أحياناً، كيف بنا ونحن دائماً إلا ما شاء الله في غفلة، وفي سهو، وفي حديث نفس؟! أليس علينا أن نكثر من التوبة، وأن نكثر من الاستغفار؟ هذا هو الواجب.

فهذان سببان عظيمان في حصول محو السيئات، وإزالة أثرها سواء كانت كبيرة أو صغيرة.