للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الولاية التامة والولاية الناقصة]

الولاية قسمان: ولاية تامة، وولاية ناقصة.

فالمسلم يحرص على أن يكون من أولياء الله، ولا يقول: أولياء الله هم أهل الدرجات الرفيعة وأهل المنازل العالية، والذين عرفوا الله المعرفة التامة ونحو ذلك، وكذلك الذين يسمونهم أقطاباً وأوتاداً، وعاملين أو واصلين أو نحو ذلك، بل كل من آمن إيماناً صحيحاً واتقى الله فهو من أولياء الله، وما عليك إلا أن تحقق هذه الآية لتصبح من أولياء الله.

ولا شك أن الأسباب التي تقوى بها هذه الأصول موجودة بحمد الله، فالإيمان بالله هو أصل وأساس هذه الأصول وهذه الأركان، وهو مبني على السماع، وهو ما بلغته الرسل، فإذا سمع العقل تلك الأدلة ورأى دلالتها، أيقن بأنها حق وأنها دالة على قدرة قادر، وكذلك إذا فكر فيما ترمي إليه، فإن تلك الأدلة فيها الالتفات أو الاستدلال بالآثار، وبالآيات، وبالبراهين، ولأجل ذلك يقيم الله الحجة بهذه الأدلة على المشركين والجاهلين ونحوهم، فيذكر لهم الآيات الكونية، ويتلو عليهم الآيات القرآنية، وكلها بلا شك تكون سبباً لترسيخ تلك العقيدة التي هي الإيمان بالله.

فإن العاقل إذا نظر فيما بين يديه من الأفلاك، وهذه المخلوقات العلوية والسفلية، علم أنها لم تخلق عبثاً، وأن الذي خلقها لا يتركها هملاً، وكذلك إذا نظر في نفسه، ونظر في مبدئه ومنتهاه، علم أيضاً أنه لم يخلق عبثاً، وأنه لابد أن يؤمر وينهى، ولابد أن يكون له رب مالك متصرف، وأن الذي خلقه استعبده؛ وفرض عليه أن يعبده، وأن يحمده، وأن يذكره وأن يشكره، وأنه لابد وأن يثيبه على العبادة أو يعاقبه على المعصية، هكذا تدل المؤمن العاقل فطرته على هذه الأمور، فكيف وقد أرشدته الأدلة، وقامت عليه البراهين، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب تبين للناس هذه الأشياء التي هي أساس العقيدة، فلأجل ذلك لما آمن بذلك من آمن، وعرفوا الله حق المعرفة، وثبت الإيمان في أفئدتهم، وأشربته قلوبهم، ونبتت عليه لحومهم، صار مندمجاً في دمهم ولحمهم.

أما الظالمون لأنفسهم، فهم الذين يفعلون المكروهات ويتركون المستحبات ويفعلون المباحات، وقد يتركون بعض الواجبات وقد يفعلون بعض المحرمات، فلأجل ذلك وصفوا بالظلم.

والكل منهم تحت مشيئة الله، إلا أن الله تعالى وعدهم بالجنة، وأخبر بدعائهم بقوله عنهم: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٣٤] الحزن: يعني: الخوف، وذلك هو المذكور في هذه الآية، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:٦٢] .

فعلى كل حال: صفات أهل الإيمان موجودة في مثل هذه الآيات، والذي يحب أن يكون منهم عليه أن يطبقها ويعمل بها ليُحشَر معهم.