للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجمل اعتقاد أهل السنة في مسألة التكفير]

عقيدة أهل السنة والجماعة تخالف عقائد المبتدعة، ومبنى هذه العقيدة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الجماعة التي هي اجتماع كلمتهم على الحق، واجتماعهم على إمامهم، وعلى متبوعهم، وبذلك سموا أهل السنة، وسموا أهل الجماعة، فالجماعة في الأصل هم: الذين كانوا مجتمعين على الحق في الزمن الماضي، ويراد بهم السلف الصالح، ولا شك أنهم كانوا مجتمعين، وغيرهم كانوا متفرقين، ولأجل ذلك فسرت الآية التي في سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦] بأنه تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف، فدل على أن أهل السنة مجتمعون ومتآلفون، وأن أهل البدع مفترقون ومتخالفون، ومخالفون للحق وللصواب.

ومن عقيدة أهل السنة أنهم لا يكفرون بالذنوب، ولا يخرجون المذنب من الإسلام، وخالفهم في ذلك كثير من المبتدعة، فكفروا بمجرد اقتراف الذنوب، وأخرجوا أهل الكبائر من الإسلام، ولا شك أن ذلك فيه اعتداء على حرمات المسلمين، بحيث إنهم كفروا المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم، والمراد بالذنوب هنا: الذنوب التي دون الكفر، وتسمى كبائر الذنوب، فإنها لا يبلغ أصحابها أن يحكم بكفرهم، فلا نكفر من قاتل المسلمين إذا كان متأولاً، ولا نكفر البغاة الذين يثورون على الأئمة، ولا نكفر قطاع الطريق، ولا نكفر من فعل جريمة الزنا أو جريمة السرقة أو القذف أو شرب الخمر أو شرب الدخان أو ما أشبه ذلك، لا نكفر هؤلاء، وكذلك من ارتكب بقية المحرمات.

ولكن الذي يكفر هو الذي يستحل الحرام، ويرد النصوص الصريحة، ويعتمد على هواه، فمثل هذا -ولو لم يفعلها- يعتبر كافراً؛ لأن من استحل الحرام الصريح الذي دليله كالشمس يعتبر قد رد على الله تعالى شريعته، ورد على الرسول صلى الله عليه وسلم سنته.

وهناك ذنوب يوجد خلاف في التكفير بها، مثل ترك الصلاة والإصرار على تركها، والتهاون بها؛ وذلك لورود الأدلة التي تنص على كفر من ترك الصلاة، ولا شك أن الكفر الذي ورد فيمن ترك الصلاة من الكفر الذي سمي به الكفار، وإن كان بعضهم قد تأول ذلك، وبكل حال فهذه طريقة أهل السنة والجماعة.

كذلك أيضاً من طريقتهم أنه إذا مات أحد العصاة ونحوهم لا يتركون الصلاة عليه، وقد تترك الصلاة على بعضهم للزجر، يتركها الإمام ونحوه، كمن قتل نفسه فلا يصلي عليه الإمام، وكذلك من غل لا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه بقية الجماعة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي رجمت بعد أن اعترفت بالزنا، وأخبر بأن اعترافها يعتبر توبة.

وأباح الصلاة على العصاة، وقال: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله) ، فهذه طريقة أهل السنة في عدم التكفير.

وأما المعتزلة فإنهم يكفرون بمثل هذه الذنوب، ويخرجون المسلم بها من الإسلام، وإن لم يدخلوه في الكفر، بل يجعلوه بين الإسلام والكفر، وطريقة الخوارج: أنهم يخرجونه من الإسلام ويدخلونه في الكفر، والفرق بينهما أن الخوارج يستحلون دمه، ويسبون امرأته وابنته، ويستحلون ماله، ويستحلون قتله.

أما أهل السنة فإنهم يقولون: إن المؤمنين من هذه الأمة لا يخلدون في النار، وإن دخلوها، فإنهم بعدما تكفر عنهم سيئاتهم يخرجون منها، هذه عقيدة أهل السنة، وإن خالفهم في ذلك من خالفهم فلا عبرة بمخالفتهم.