للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيراد الأدلة القرآنية المتنوعة على البعث]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد أخبر الله أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين في آيات من القرآن، وأخبر عن أهل النار أنهم إذا قال لهم خزنتها: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:٧١] ، وهذا اعتراف من أصناف الكفار الداخلين جهنم أن الرسل أنذرتهم لقاء يومهم هذا، فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم من عقوبات المذنبين في الدنيا والآخرة، فعامة سور القرآن التي فيها ذكر الوعد والوعيد يذكر فيها الدنيا والآخرة.

وأمر نبيه أن يقسم به على المعاد، فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ:٣] ، وقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣] ، وقال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] .

وأخبر عن اقترابها فقال: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] ، وقال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:١] ، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:١-٢] ، إلى أن قال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:٦-٧] .

وذم المكذبين بالمعاد فقال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:٤٥] ، {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:١٨] ، {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِونَ} [النمل:٦٦] ، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} [النحل:٣٨] ، إلى أن قال: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل:٣٩] ، وقال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [غافر:٥٩] ، وقال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً} [الإسراء:٩٧-٩٩] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:٤٩-٥٢] .

فتأمل ما أجيبوا به عن كل سؤال سؤال على التفصيل، فإنهم قالوا: أولاً: {أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء:٤٩] ، فيقال لهم في جواب هذا

السؤال

إن كنتم تزعمون أنه لا خالق لكم ولا رب، فهلا كنتم خلقاً لا يفنيه الموت كالحجارة والحديد، وما هو أكبر في صدوركم من ذلك، فإن قلتم: كنا خلقاً على هذه الصفة التي لا تقبل البقاء، فما الذي يحول بين خالقكم ومنشئكم، وبين إعادتكم خلقاً جديداً؟ وللحجة تقدير آخر: وهو لو كنتم من حجارة أو حديد أو خلق أكبر منهما فإنه قادر على أن يفنيكم، ويحيل ذواتكم وينقلها من حال إلى حال، ومن يقدر على التصرف في هذه الأجسام مع شدتها وصلابتها بالإفناء والإحالة، فما الذي يعجزه فيما دونها؟ ثم أخبر أنهم يسألون سؤالاً بقولهم: من يعيدنا إذا استحالت جسومنا وفنيت؟ فأجابهم بقوله: {قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:٥١] ، فلما أخذتهم الحجة، ولزمهم حكمها، انتقلوا إلى سؤال آخر يتعللون به تعلل المنقطع، وهو قولهم: متى هو؟ فأجيبوا بقوله: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:٥١]] .

قد ذكرنا أن القرآن اشتمل على الأدلة الكثيرة في تقرير البعث والنشور، وفيه ذكر عظم قدرة القادر، وأنه لا يعجزه شيء، وأن الرسل أولهم وآخرهم كلهم بلغوا هذا البيان، الذي هو الخبر عن اليوم الآخر والبعث والجزاء في الدار الآخرة، وذكروا ما يكون بعد الموت، فقد اتفقت دعوة الرسل كلهم على ذلك.