للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمرة الإيمان بالميزان وغيره مما يكون يوم القيامة]

من أركان الإيمان الإيمان باليوم الآخر، وهو البعث بعد الموت، وما يكون في يوم القيامة من الأهوال والحساب والجزاء على الأعمال، والعرض والمناقشة، ونصب الموازين، وتفريق الدواوين، وأخذ الصحف والكتب بالأيمان أو بالشمائل، ونصب الصراط على متن جهنم، والورود على نار جهنم، والوقوف في ذلك اليوم الطويل، والشفاعة التي ثبتت للأنبياء وللرسل ولنبينا صلى الله عليه وسلم، وما بعد ذلك إلى أن يستقر أهل الجنة في دار النعيم، وأهل النار في الجحيم، ويبقى في النار من حكم عليه بالخلود، ويدخل الجنة من حكم له بالخلود، وتفاصيل ذلك مذكورة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأهل السنة يؤمنون بذلك على ما جاء في النصوص، ويصدقون بتلك النصوص، ويعتقدون أنها حق وصدق؛ لأنها كلام الله، وكلام أعرف الخلق بالله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ويحملون ذلك كله على أنه حقيقة لا لبس فيه ولا تأويل، ولا نفي لشيء مما دلت عليه تلك النصوص، ويردون على من أنكر البعث الجسماني كالفلاسفة، وعلى من أنكر النعيم والعذاب في الآخرة كالباطنية، فهم ينكرون عليهم ويعتقدون أن كفرهم أشد من كفر اليهود والنصارى، ولو تسموا بأنهم من أهل الإسلام.

من آمن بتفاصيل يوم القيامة وما يكون في ذلك اليوم؛ فإنه بلا شك يستعد لذلك اللقاء، ويظهر عليه أثره في أعماله، وفي سيرته وفي نهجه، وكلما كان الإنسان أشد يقيناً وأشد إيماناً كان أشد استعداداً وتأهباً، وهكذا كانت حال المؤمنين الصادقين في إيمانهم، فإيمانهم يحملهم على أن يستعدوا للموت، ويستعدوا للجزاء، ويستعدوا للقاء ربهم، ويعملوا العمل الصالح الذي ينجون به، ويكونون به من أهل السعادة ومن أهل الفلاح، حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت في هذا اليوم، لم يكن هناك عمل يزداد به في ذلك اليوم؛ لأنه لم يضيع لحظة من لحظاته في غير طاعة.

علم المؤمن بأن الموت لابد وأن ينزل، وأنه قد يأتي فجأة على غير موعد، وعلم أن بعد الموت حساباً، وعذاباً أو ثواباً، وعلم أن بعد الموت بعثاً ونشوراً وجنة أو ناراً، فصارت كل دقيقة تمر عليه يشغلها في طاعة الله، هكذا كان أولياء الله المتقون.

أما المفرطون الذين يقولون: آمنا، ولكن يقولونه باللسان، وقلوبهم كأنها غير مصدقة؛ فإنهم لا يستعدون، فهؤلاء إيمانهم ضعيف، ألسنتهم تصف، وقلوبهم تعرف، وأعمالهم تخالف، ذلك بأن إيمانهم وتصديقهم لم يكن عن يقين أو كان عن تردد، أو كان يقينهم قد أتاه ما يضعفه من الشهوات، وزينة الدنيا، والركون إليها، ومحبة التوسع في الملذات، وعدم استحضار الموت، وعدم استحضار ما بعد الموت، فكان ذلك حاملاً على كثرة الغفلة، والانهماك في لذة الدنيا، وعدم التفكر في عاقبة هذه الملذات والشهوات، وعدم التفريق بين الحلال منها والحرام، فحصل ما حصل منهم من التفريط، فجاءهم أمر الله بغتة وهم لا يشعرون، فندموا حين لا ينفع الندم، ويقول أحدهم: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ} [الزمر:٥٦] .

فعلينا أن نتفقد أنفسنا ونتفقد إخواننا، فإذا رأينا الذي شغل وقته كله بأعمال الآخرة، قلنا: هذا صادق الإيمان بالآخرة، هذا مؤمن حقاً، هذا ممن استعد للقاء ربه، وإذا رأيناه ضعيف الإيمان، ضعيف الأعمال، قليل الاهتمام، قلنا: هذا قليل الاهتمام، هذا ضعيف الإيمان بالآخرة، ولو كان إيمانه قوياً لما فرط في أيامه، ولما تناسى لقاء ربه، فنثبت الأول ونحثه على الاستعداد والزيادة؛ ونحذر الثاني ونخوفه من أن يفجأه الأجل وهو على هذا التفريط والإهمال، وبذلك نكون جميعاً من المؤمنين بالدار الآخرة.