للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات قدرة العباد على أفعالهم]

للعباد قدرة تناسبهم، وبهذه القدرة أصبحوا مكلفين، وبها أصبحوا مأمورين ومنهيين، ولو سلبت عنهم هذه القدرة لسقطت عنهم التكاليف؛ ولهذا تسقط التكاليف عن العاجز، وينفى عنه الحرج، فلا يكلف إلا ما يطيق، فمن فقد العقل لم يكن إلى إفهامه من سبيل، فلا يكلف، ومن فقد البصر لم يكلف بالغزو وبالقتال، وكذا العاجزون ونحوهم.

يقول تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة:٩١] يعني: إذا تخلفوا عن الجهاد؛ لأنهم لا يستطيعونه، فدل على أن غيرهم عليهم حرج؛ لأن معهم استطاعة، وإن كانت تلك الاستطاعة مخلوقة لله، وداخلة تحت قدرته.

وبكل حال، فالاستطاعة التي منحها الله الإنسان هي التي في إمكانه أن يزاول بها الأعمال، مع أنها داخلة في خلق الله تعالى، والله سبحانه لا يكلفهم إلا ما في قدرتهم واستطاعتهم، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ، فلهذا أسقط الحج عن غير المستطيع، بل جعل فرضه على من استطاع إليه سبيلاً، وكذلك أسقط ما يعجز عنه الإنسان أو يشق عليه، فرخص للمسافر في أن يفطر؛ لأن عليه مشقة، وكذلك المريض له أن يفطر ويقضي؛ لما في الصيام عليه من الصعوبة، وهكذا في سائر العبادات التي يعجز عنها العبد، فالقدرة والاستطاعة التي أعطاها الله الإنسان هي ما منحه الله وما أودعه فيه، وما قواه به، وإن كان ذلك كله داخلاً في عموم قدرة الله سبحانه.

قد مر بنا أن الاستطاعة التي نفيت هي ما لا يدخل في مقدور الإنسان، كما نفي في قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧] ، أي: لا يكلفها بغير ما أعطاها، {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:٢٣٣] .