للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعتزلة]

وأما استدلال المعتزلة بقول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤] ، ومثلها قوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المؤمنون:٧٢] فيقولون: هذا دليل على أن الخالقين كثير، وليس الخالق هو الله وحده، لكن الله أحسنهم! فجعلوا العباد خالقين ورازقين مع الله.

و

الجواب

أن هذا ليس بصحيح، بل الله هو الخالق وحده، كما قال عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:٦٢] ، فالخلق خلقه، والأمر أمره، والآية وردت في سياق التكوين، ووردت في سياق الإيجاد، فيقال: إن الإنسان ليس هو الذي يخلق نفسه، وإن كان له سبب في وجود الولد بالنكاح والوطء والمباشرة، فينسب إليه أنه هو الذي تسبب في خلق وتكوين هذا الولد، ولكن الله هو الذي أنشأه، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:٥٨-٥٩] ، فهذا المني الذي ينصب في الرحم ليس الإنسان هو الذي يكونه، بل قدرة الله، فالله هو الذي قدر أنه يكون نطفة ثم يكون علقة ثم مضغة ثم ينشئه الله خلقاً آخر إلى أن يخرج بشراً سوياً.

فإذاً: الولد من الإنسان سببه النكاح والوطء ونحوه، ومن الله تعالى الخلق والتكوين والتطوير إلى أن يخرج سوياً، فهذا معنى قوله: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤] ، وقد يُراد بالخالقين الذين يكونون بعض المخلوقات في الدنيا، أو يبدعون بعض الأشياء وإن كانوا مخطئين في ذلك، كما ورد في الحديث القدسي: (يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو يخلقوا برة، أو ليخلقوا شعيرة) ، بمعنى: أنهم جعلوا أنفسهم خالقين، وهم المصورون الذين يضاهون بخلق الله، فأثبت لهم إرادة في أنهم يضاهون خلق الله، ويخلقون كخلقه، ولكن لا يستطيعون أن يضاهوا وأن يشابهوا خلق الله تعالى، فالخلق الأصل هو من الله، وهو الذي خلق الأرواح، ولا يستطيعون أن يخلقوها، وهو الذي يحيي الأموات، ولا يستطيعون أن يحيوها، وهو الذي ينفخ فيه الروح، ولا يستطيعون ذلك، كما في الحديث: (من صور صورة كُلِّف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ) .

إذاً: عرفنا أن المعتزلة استدلوا بقوله تعالى: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤] على أن الخالقين كثير.

والجواب: أن الخلق هو التكوين من الله تعالى، وأما الإنسان فمنه السبب، أو أنه يراد به المضاهاة.

واستدل المعتزلة بترتيب الجزاء على الأعمال، بقوله تعالى: (جزاء بما كنتم تعملون) وبقوله: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤] .

والجواب: أن الأعمال سبب، وليست مستقلة، وإنها هي من جملة الأسباب التي يثاب عليها العباد ويعاقبون.

واستدلت الجبرية بآيتين: الآية الأولى قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦] وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦] ونحوها، في إثبات أن الإنسان ليست له أية حسبة، وليس له أي عمل، وكذلك استدلوا بقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] .

وقد عرفنا كيف نرد عليهم.

واستدلوا بأن الأعمال ليست سبباً في دخول الجنة أو النجاة من النار أو دخول النار بالآية التي ذكرنا، وبالحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) ، وعرفنا بذلك أن أدلتهم لا تفيدهم شيئاً، وأن ترتيب الجزاء على الأعمال من ترتيب الأسباب على المسببات.