للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاضل الصحابة رضوان الله عليهم]

الفضل يعم المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ولكن بلا شك أن الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون كما في قول الله تعالى في سورة الحديد: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} [الحديد:١٠] يعني: صلح الحديبية {وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠] فنحن نفضل السابقين الذين أدركوا بيعة الرضوان التي رضي الله بها عنهم، وأنزل فيهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم} [الفتح:١٠] وذلك في صلح الحديبية تحت شجرة، حيث قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (بايعوني) ، وكانوا نحو ألف وأربعمائة وزيادة، وكلهم بايعوه على أن يقاتلوا ولا يفروا حتى ولو ماتوا، وجاء عن بعضهم قوله: إننا بايعناه على الموت، وقيل: بايعوه على ألا يفروا، وكلها متلازمة، يعني: أنا لا نفر، بل نقاتل إلى أن ينصرنا الله أو نقتل دونك، هكذا بايعوه، وصدقوا في ذلك، قال الله تعالى في وصفه لهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٢٣] صدقوا في النصرة، ووفوا بهذه البيعة، وحصل أن الله رضي عنهم، يقول تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨] ، ولا شك أن من رضي الله عنهم فإنهم يثبتون على هذا الرضا، ولا يمكن أن يسخط الله عليهم وقد علم أنهم أهل للرضا، إذ كيف يرضى عنهم وهو يعلم أنهم سيرتدون أو سيكفرون فيما بعد؟ فالله لم يستثن أحداً من أهل البيعة، ولهذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) أي: كلهم من أهل الجنة، وسمعنا أنه صلى الله عليه وسلم قال للمتأخرين من الصحابة كالذين أسلموا بعد صلح الحديبية أو في سنة ثمان وما بعدها: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) المد: ربع الصاع، والنصيف: نصف المد، أي: لو أن أحدكم أنفق نفقة من الذهب مثل هذا الجبل الذي يضرب به المثل في عظمه وضخامته ما بلغ مد أحدهم، سواءً من طعام أو نحوه، فكيف بمن أنفقوا أكثر أموالهم أو كلها في سبيل الله رضي الله عنهم وأرضاهم.